25 ديسمبر 2007

المنافق المحض/المحض منافق

المنافق المحض استدعاني إلي مكتبة ،المحض منافق يشبه كرش حمار منتفخ . المنافق المحض أسمعه ويسمعه كل من في الطرقة المؤدية لمكتبه، وهو ينعق بأبيات من شعر التملق، ويتمسح بها في وجه مدير تؤكد ملامحه وعطره الفج أن ثمة قرابة نسب بينه وبين الحزب الوثني الاستبدادي
المحض منافق حين رآني أظهر امتعاضاً مصطنعاً وراح يؤنبني ، راح ينعق بالسباب عالياً، يقسم أن الفصل مسألة وقت
في كل زيارة لأحد الكروش المتخمة يصبح أحدنا ضحية نفاقه، لكنه نسي أنني متهور إلى حد الجنون ، نسي أن الأمر في هذه المرة مختلف، وربما يكون عذره الوحيد أنه لم ير المطواة التي أخبئها ، وكيف يراها وهي مخبوءة في قرار مكين ، حقا سيراها وهي تتعامل مع كرشه المنتفخ ، حقا ستسطر على جبهته أبيات شعر من دماء باردة ، تخلد ذكراه شهيدا في سبيل العمل ، وخدمة الوطن، أو تراه يعلم أن ملك الموت استأذن ربه لينزل للأرض حيث الوقت قد أزف ؟!. لو كان يعلم هذا ما ظل ينعق في وجهي ، بل ربما ترجاني ونافقني، ولعن الحزب وأهله.
عبده سنجة أكد لي أن المطواة إذا ما فتحت لابد أن تظفر بالدم، وإلا لحق العار بصاحبها، وكيف أرضى لنفسي العار ، سأخرج المطواة وأطعنه
صفعته على وجهي آلمتني حقاً، لكن المطواة كما هي لم يتحرك لها ساكن ، طرده لي من مكتبه تزفني لعناته وعيون الموظفين حدث فعلا ً، لا أنكر هذا ، لكن المطواة لم يتحرك لها ساكن ، قراره بالفصل أصبح حقيقة ، والمطواة لم يتحرك لها ساكن
صرت بلا عمل ولا مصدر رزق، والمطواة لم يتحرك لها ساكن ، مخبوءة في قرار مكين، لم يحن وقت خروجها بعد.
أكد لي الدكتور النفساني أني لا أحمل مطواة، وأنها رغبة مكبوتة في الانتقام ، حين وجدوه مسجى في دمائه . صرخت الممرضة هذا المجنون قتله. في اليوم التالي سطرت أبياتاً من الشعر على جبهة المنافق المحض تخليداً لذكراه في خدمة العمل والوطن والحزب ، الغريب أن منى أقسمت لي أني لا أحمل مطواة ، وأن علي أن استجيب لنصائح الدكتور . وأني لم أقتل أحداً . كنت أحبها بجنون ، هي الوحيدة التي تستحق أن تعرف أين تختبئ المطواة . استأذن ملك الموت ربه وهبط الأرض في عجالة . كشفت لها عن صدري، حين رأت المطواة مستقرة في قلب كلف ملك الموت بقبض نبضاته . صرخت . لم يمهلني ملك الموت أن أعرف المزيد

18 ديسمبر 2007

المعيدة الشقراء... والبحث...

المعيدة الشقراء قالت: بحثك يعوزه الدقة. لم يأت بجديد. أعد كتابته. ابتسمت بغيظ ظاهر الملامح. قبضت على الأوراق . انصرفت. في المساء كان سامح الملقب بالوسيم،وهو حقا كذلك، دقيق الملامح ، جذّاب المظهر، لا يحمل في قلبه حقداً، وان ظهر في حديثه المكر. ينتظرني في مقهى عم درويش ، حين اقتربت انفجر ضاحكا وقال: بحثك يعوزه الدقة . كانت المعيدة الشقراء قد أشادت ببحث سامح ، وقالت له :بحثك مقبول شكلاً ومضمونا، وأردفت بالانجليزية: فيري جود فول مارك
بعد أن منحني سيكارة قال: الأمر بسيط جدا، إذا ربطت بين شكلك وبحثك ، وبين شكلي وبحثي ، ثم ضحك بخبث بريء وقال : أعلم أن شكلي مقبول كما قالت ، لكني لا أدري كيف عرفت ان مضموني كذلك . وضع النادل أمامي فنجان القهوة وهو يتلفظ بنكته جنسية مقحمة دون ان يطلبها منه أحد ، أبعدتنا عن الموضوع، لكنّا على اي حال ضحكنا
عاد سامح ليكمل، وكأنه يتحدث عن نظرية جديدة، ويمد يده من حين لآخر لكوب الشاي يرشفه ببطء،أما أنت يا صديقي فليس هناك تناسق نهائي بين أنفك الأفطس ووجهك، أليس كذلك؟!. كان سامح محقا. لذلك انفجرت ضاحكا. وقلت: دعنا من هذا التهريج، فقال: وقد رسم الجدية على وجهه: بحثك لم يأت بجديد، كما قالت الشقراء، بحثك أقرب إلى تجميع لآراء العلماء حول المستقبل ، بغيظ واضح قاطعته: ما الجديد في بحثك أنت. قال : إذا أردت الحقيقة في بحثي ألف جديد: البحث كان عن العالم بعد ألف عام ، المتوقع كما فعلت أنت، أن تكتب عن التطور الرهيب ، وأن تحل أزمة الإسكان في مصر مثلا بأن ينتقل الناس للعيش في المريخ وو إلخ. يا صديقي الشقراء تعرف كل هذا. أنا كتبت عن الموثولوجيا الأسطورة يا صديقي .كتبت لها مالا تعرفه هي، حكايات جدتي ربما، لكنها لا تعرفها . لأنها ببساطة لم تجلس مع جدتي قط . وأشار إلى شاشة التلفزيون حيث يطل الشيخ سيد مفسر الأحلام بوجهه
القبيح والكل ينصت إليه ، صدقني أنا نقلت لها هذا ، وأشار إليهم، بالتأكيد ظنت هي أن هذا محال أن يحدث
قلت: إذن فقد فضلت الخرافة على العقل،قال مبتسما : لا . فضلت الشكل والمضمون
بعد ثلاثة أشهر. قدمت البحث. المعيدة الشقراء قالت: بحثك لم يأت بجديد، ليس ليدك فرصة أخرى. انتهى الوقت
حين رأيتها في المنام أشبعتها ضربا. جررتها من رأسها.اغتصبتها . حين تكرر المنام أجابني الشيخ سيد على الهواء مباشرة :جر الرأس خير. ثم تلا قول الله تعالى : ( وأخذ برأس أخيه يجره إليه) . فقذفته بأقبح الشتائم التي تلفظ بها الإنس والجان من القدم، وما توقعه صديقي سامح في بحثه عن شتائم المستقبل، وزدت عليها. وبكل هدوء ناديت أخي الصغير رامي ليعلمني كيف ألعب البلاي استيشن . صدقوني لم يعد يتكرر الحلم . ولم أعد في حاجه لبحث

11 ديسمبر 2007

لك يا مصر السلامة ..........


في مصر حيث الحاكم هو الدولة / هو مصر، يصعب عليك أن تقنع شاباً ولد وترعرع في ظل ذلك، يصعب عليك أن تقنعه أن هناك خطاً فاصلاً بين مصر وبين مبارك/ بين الحاكم من جهة/ وبين الدولة من جهة أخرى0
هذا الشاب في الحقيقة غير ملام، فالشارع باسم مبارك والقرية باسمه والمدينة، والنوادي والمقاهي ومراكز الشباب ،حتى الحدائق تقدس باسمك يا مبارك ، كل شيء يسبح باسمك يا مبارك ، وحيث ذلك كذلك، فان الانتماء يقل تدريجياً مع كل سنة يتأكد لهذا الشاب أن لا مصر في الحقيقة، وان الأغاني والريادة والشعارات الفارغة التي تلقنها في الصغر محض فراغ وخداع، وأن موضوع التعبير الذي كتبه في الصغر كان تلقينا ساذجاً واستخفافا بعقله الساذج البسيط، فيسب ويسخط على مصر خشية أن يسب ويسخط على مبارك، ويحاول مستجدياً الهروب "يهج" إلى الخارج منها، وحين يقع في فخ الغربة تنفصم شخصيته وتئن نفسيته خاصة في السنين الأولى من الغربة، فتعود شعارات الصغر لتطفو على السطح، لكنها صادقة دافئة متدفقة هذه المرة ، حيث شريط الذكريات لا يمهله ، وطفولته وبعض شبابه ، أهله وأصحابه مسكنه، ابتسامة حبيبته، فتظهر أمامه ملامح مصر الحقيقية ويشعر لوهلة بصدق حروف التعبير الذي خطه في الصغر، لكن سرعان ما تطمس الذكريات تحت حقيقة أن مصر مبارك مستحيل أن تعطيه ما أعطته الغربة، فيعود غريباً في مصر _يناديه أبناء الوطن أحمد السعودي / محمد الكويتي /علاء الإماراتي _غريباً في بلاد الغربة فهو وافد دخيل عليهم، فلا راحة هنا ولا راحة هناك.وإذا كان يحلو للبعض أن يتشدق بجوف متعفن منافق قائلاً: ماذا يفعل مبارك ؟ ثم يملأ جوفه بكمية من المشاكل تدك الجبال؟ متناسيا بحماقة أننا نطالب برحيله لهذه الأسباب ، محتجا علينا بمحل النزاع، فان الإجابة ببساطة وبكل هدوء لا نريد منه أن يفعل شيئاً على الإطلاق، عليه أن يرحل، أن يترك الأمر برمته لرجل آخر يقول: أستطيع أن أفعل شيئاً. فقط من أجل أن نعيش مصر أخرى غير مصر مبارك ، نعيش مصر المؤسسات مصر الحرة مصر الأحزاب الحقيقية مصر النقاء والطهارة والضحكة وعلو الهمة ، مصر الأمان لا مصر المعتقلات ، وإذا كان اليأس احد الراحتين كما يقال ، وإذا لم يكن من الأمر مناص فلا أقل من الموافقة على بنود مقال رسالة إلى السيد الرئيس

4 ديسمبر 2007

عند الله يا صغيرتي


أمام الجامع الكبير دكان عطارة، خلف الدكان يقبع بيتي يا خالة ، راحت العجوز تتحسس الطريق بعينين انطفأ نورهما إلا قليلا ، وبظهر منحني كقبة مسجد صغير . تمشي متكئة على عكاز مزق السوس أوصاله، منكسة في الخلق .كان علي أن أكمل طريقي؛ لأضرب في الأرض مبتغيا من فضل الله، ثم أعود حيث يشاء الله ، حين اقتربت نادت بصوت إلى الصمت أقرب، فأقبل عليها أحمد هاشا باشا، فقبل يديها وأجلسها، وأشرق وجه زوجتي بابتسامة سخاء وعطف وروح ورقة، هي لا تعرف العجوز من قبل ، هي اعتادت مني على ذلك ، وأنا اعتدت منها على الرضا وحب الخير . راحت ابنتي الصغيرة نور تفتش في جيوب فستانها عن حلوى تعطيها للعجوز، فلما عثرت عليها مدت كفها الصغير إليها، فضمتها العجوز بيدين مرتعشتين، وقبلتها، وراحت تدعو الله لها بالبركة والستر، وحاول أحمد برفق إبعاد القطة، التي قفزت لتتمسح بالعجوز لترحب بها بطريقتها الخاصة.ولما غشي ليل الليلة الخامسة، وأوت العجوز ونور للفراش قالت نور لها : كملي يا جدتي الحدوتة . فقالت العجوز والنوم يغالبها : كان يا مكان يا سادة يا كرام ما يفيض ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام .فردت نور : عليه الصلاة والسلام .فأكملت العجوز: وبعدين عم وهدان الملك راح معينه وزير وسماه وزير الخير، وطرد الوزير ظعفران من القصر ، فقالت نور وقد داعب النعاس عينيها : عشان هوه شرير صح ، همهمت العجوز وقد غلبها النوم: صح . فقالت نور وهي تفرك عينيها لتبعد عنهما النوم : طب أخد العصفور معاه ولا لا ... لكن العجوز كانت قد نامت ...وتنفس الصبح عن نية لي بالعودة ، فقد كنت اشتقت لهم كثيرا، وعدت بالفعل في الظهيرة، فإذا بي أرى الناس قد خرجوا من الجامع الكبير أفواجا، يحملون نعشا، ما لبث ان توسطهم وهم في طريقهم للقبور، فلحقت بهم، ولما عرفت ما عرفت، وفاضت عيني بالبكاء، وراح الناس يعزونني، البقاء لله، حياتك الباقية ،ابيضت عين العجوز من الحزن ، وصرخت نور الصغيرة كما صرخت وهي كبيرة، وهي تضع حفيدتي الأولى رقية التي أسمتها رقية على اسم أمها ، صرخت وهي تبحث في أرجاء البيت ، تتساءل أين أمي يا أبي ؟ وأجيب بقلب يخفق ألما وحزنا عند الله يا بنتي . عند الله يا صغيرتي.-