21 ديسمبر 2008

خالص الشكر والتحية

خالص الشكر والتحية لكل من أضاف تعليقاً ومن سأل عني في فترة غيابي.. اسما اسما...
كنت مشغولاً طوال الفترة الماضية بأشياء ينطبق عليها قول الشاعر:
كان ما كان مما لست أذكره**** فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر
لكن الحمد لله مضت تلك الفترة....
أعود فأكرر شكري وامتناني لمن سأل عني وان شاء الله عائد عن قريب...
خالص تحياتي....

20 أكتوبر 2008

سلمــان الكعبوري

كان سلمان يمثل البلاهة في أبهى معانيها، لذلك كنا نحبه، وكنا نتساقط ضاحكين لمجرد رؤيته
سلمان لم يكن بدينا، ولم يكن نحيلاً، ولم يكن بين بين، بل كان متفرداً، كان كعبوري الشكل، ورغم أنه يصعب علينا شرح الكعبرة، وأفضل شرح لها أن ترى بالعين المجردة، لكن لتقريب الصورة للأذهان، نقول: أنك حين تراه، ترى نصفه الأعلى بديناً ذا كرش، بينما ساقاه نحيلتان بشكل مريب
سلمان الكعبوري لم يضجر قط من مزاحنا، لم يثر قط من تندرنا عليه، لا لبلادة في الطبع، بل لرقة في القلب، وبلاهة عذبة في الوجدان
حين كان يمر عليه علي بسيارته الفيت القذرة على حد تعبيره ، كان سلمان يطل بكعبوريته من شرفة منزله في الطابق الثالث، ليصرخ فيه ضاحكاً: "علي عليوه يالي ضرب الزوميره يالي زومرتك بمبي ياللي"، ثم يتباطأ في النزول، لا عمداً بل طبعاً وتكويناً وبلاهة في آن،وكان علي يقسم في كل مرة ألا ينتظره ثانية، ثم ينتظره ألف مرة بعدها مع ألف قسم آخر ،وألف ألف سبة ولعنة أخرى
سلمان كان أحياناً يختفي عن الأنظار، حتى نظن أن لا عودة، وحين نسأله يجيب: رزقت قطتي بخمس قطط ، نقول ضاحكين ثم: يقول هذا يكفي
وحين يعود نسأله : يجيب عصفور فر من القفص، وكنت حزيناً عليه
وحين يعود مبتسماً كونه تجاهل نداءات علي وسبابه يقول : "مهوه أصله لو كان يبطل شتومه كنت نزلت" ثم يضحك في طفولة حالمة
سلمان كان يصر أن يلعب معنا في الفريق، وكان هذا أمراً مستحيلاً بكل المقاييس، فكعبوريته لا تقف حائلاً وسداً منيعاً لأن يلعب فقط، بل قد تمتد لتقف حائلاً لأن يشاهد ويشجع، لكن حين بكى سلمان كالأطفال، نعم حدث حين رفضنا أن يشارك، قررنا بالإجماع أن يكون حارساً لمرمى الفريق، وحين اصطدمت رأسه الكعبورية بالقائم، ضج الملعب ضحكاً ، حتى سلمان قام مسروراً بعدما أنقذ هدفاً وإن اصطدمت رأسه،وإن مليت شباكه بسبعة أهداف لا مرد لهم
سلمان راح يشرح لنا في بلاهة، أنه لم يكن السبب في الهزيمة ، وأنه ضحى برأسه فداء للمرمى ، مما أدى إلى ثورة غضب عارمة من طارق، أدت إلى اختفاء سلمان لمدة طالت، وإن عاد
عاد سلمان ليخبرنا أنه اكتشف أن طارق يشبه الفأر تماماً ، لم يكن سلمان يضحك هذه المرة،بل كان يتحدث بثقة الباحث العلمي المتيقن من نتائج بحثه, وأصبح طارق يلقب بالفار
لكننا جميعاً حين باغتنا سلمان قائلاً : لقد أعددت العدة للسفر، لم نفهم قصده، بل لم نعر كلامه مصداقية، بل لم نصدق
وحين تكررت نداءات علي بسيارته الفيت القذرة، وتمكن اليأس من قلوبنا، ولم يعد الأمر غياباً يطول ثم عودة، جاء النبأ عبر رسالة خليجية المصدر لهاتف طارق المحمول يقول فيها سلمان: أنا هنا أيها الفأر ، ويضحك كأنا نراه، مفتقدكم جميعاً، سلامي للجميع
كم من السنين مرت لا أدري، وفر منا شبابنا، لكن سلمان لم يعد يطل، ولم يعد يعود
وحين عاد محمولاً من هناك ، صرخنا في حرقة وبكينا ، وقت لا ينفع بكاء، كم كنا نحبك يا سلمان

12 أكتوبر 2008

والله إن في القلب روحاً

كل منا وقح في داخله وإن ادعى ، هكذا تحدثت صراح ، تلك الفتاة النجيبة الجميلة، قالت وهي تبصر طائراً يفترس صاحبته : الأمر ليس متعلقاً بالرغبة فقط،، الأمر يا صديقي متعلق بقانون الغابة
كانت تنظر في شبق أنثوي مغر، ابتسمت، في جراءة مذهلة قالت: أنى لي بطائر مفترس
قلت : كل منا ضعيف في داخلة، قالت: ليس ثمة تناقض بين الضعف والوقاحة، التناقض الصارخ يتجلى في الضعف المؤدي للرغبة وفي قوة الافتراس الناتج عنها، أردفت دهشة: وكأن في رحم الضعف قوة
كان نفط الشمس قد أوشك على النفاد ، فخشيت ألا تدرك الأقطار، فلاذت بالفرار، وحين أطل الليل البهيم، اختبأت قطتي أسفل الغطاء الحريري، لم أكن بعد أدرك أبعاد المسألة ، لكني لبيت النداء
حين تسربت إلى أنفاسي رائحة القهوة الصباحية التي تشرب، أدركت أني أجدت الافتراس، لكن داخلي أبى إلا الاعتراف الصريح
قلت: صباحك مشرق ، صاحت ضاحكة وقد بدا نصف ثديها المكور، بينما توارى النصف الآخر صاحت: كل منا يحمل الفحش في أعماقه، قلت بل كل منا يحمل الصراع في أعماقه
قلت: بينما أتابع ثورة القراء على مقالها المنشور، كيف ؟
قالت : أيهما أسبق قلت : الدين
قالت: وهل كان الدين قبل آدم وحواء، تابعت كل منا يحمل النفاق في داخلة
قلت: هو تنظيم لشكل العلاقة إذن، وحين راحت عيني تسترق النظر لنهديها كشفت عنهما وقالت،: لست أنا من أقع في المغالطة ، لكنك لما تزل مثل هؤلاء الرعاع، تقول ما لا تفعل، وتفعل ما لا تقول
لم أرها بعدها دهراً ، لكن ذات صدفة لمحتها في ندوة وقد تكور بطنها، وعلمت فيما بعد أنها أنجبت طفلة
لم نتقابل بعدها دهراً طويلاً لكن ذات موعد جاء وكأنه صدفة، كان الدهر فيه قد لعب لعبته، وسرق منا القوة قلت هامساً: أو تذكرين؟
قالت: وهي توسد شعر حفيدتها،ارفع صوتك ، لم يعد ثمة سر
قلت : الآن هناك طعوم أخرى، ومذاقات أخرى، قالت: صدقت ، قالت : ثمة سر ؟
أومأت متسائلاً ؟
قالت :والله
قلت: مبتسماً أتعرفين الله قالت : نعم والله،ثم أشارت في أعماق كل منا براءة هذه الطفلة
و حين هممت أن أغادر قالت مبتسمة في صفاء اقترب : همست ، لم تكن في ذاك اليوم البعيد، قد أجدت الافتراس
ضحكت
ضحكت
قالت : وقد سمعت صداها ، والأفق غائم حزين، والله إن في القلب روحاً،ثم كان المصير

16 سبتمبر 2008

رسالة اعتذار


قالت: التي كنت
قالت: التي كانت
قالت: التي كنا
قالت
كم كنت جباناً، وقالت : لا صبحك الله بخير أبدا
قالت: بين البداية والنهاية، ما لا يسر من القول
التي كنت كانت محقة ، التي كانت، كانت مجروحة
ذلك أن الطيور يا صديقتي كل الطيور، لا يدور بقلبها البته، أن ثمة قناص يصوب
وذلك بأنه لم يدر بخلده البته، أن العصفورة الوديعة،قد تستحيل نسراً جارحاً بين ليلة وضحاها
ذلك بأنه لما جن الليل ،تهامس الطير فوق الأغصان المثمرة، يتناجون عن الهوى، إذ قال أوسطهم طريقة : لا إثم على قلب خفاق متيم، فقال أكثرهم مجوناً وقد أسكرته لآلىء الكرم: بل لا إثم على عيون ساهرة، و شفاه مقبلة، وأحضان متلهفة
وكنا نحن يا صغيرتي أنا وأنت، ندور بين إثم مغفور وإثم مسطور، كنا بالطريقتين نؤمن
صديقتي الثائرة ، اليك أتحدث، نعم إليك أقول: ليس ثمة ما استطيع ، ليس ثمة ما استطيع، صدقيني كان الذي كان
صبحك الله بكل خير

4 أغسطس 2008

جزاكم الله خيرا على السؤال

جزاكم الله خيرا على السؤال وعذرا على عدم التفاعل مع المشاركات ، وغيابي تسبب فيه عسر ويسر ، اما العسر فكانت كآبة الغربة وأما اليسر فكان ان قدمت لمصر في اجازه فانشغلت عن متابعه المدونه منهمكا في اطفاء نار الغربه فاعذروني دعواتكم لن اغيب طويلا لكم خالص التحية

24 يونيو 2008

سلمى ام عبد الله

عاد الشيخ طاهر إلى بيته متأخراً، بعدما فرغ من إلقاء محاضرة الخميس والتي يلقيها بالجامع الكبير ،تلك المحاضرة التي تعقد بعد صلاة العشاء من كل خميس، ولأن المحاضرة قد طالت اليوم، كما طالت من قبل،و طالت الأسئلة التي تعقبها، كما كانت تطول من قبل، ثم طالت السلامات والدعوات، بعد الإجابات الشافيات، اضطر الشيخ طاهر أن يعود لمنزلة بعد منتصف الليل بقليل
عاد الشيخ طاهر وقد نامت زوجته سلمى أم عبد الله ، ولما كانت أم عبد الله قد اعتادت الأمر، فقد اعتادت أيضاً أن تصحو بمجرد أن يدخل عليها الشيخ طاهر، واعتادت أيضاً أن يقوم الشيخ طاهر بمعاشرتها طوعاً أو كرها ، واعتادت كذلك أن يلقي على مسامعها محاضرة إن هي أبطأت ، في حق الزوج على زوجته، مذكراً إياها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح
خلع الشيخ طاهر ملابسه إلا ما بطن منها، والتفت صوب السرير ، لكن زوجته سلمى على عكس المعتاد، وقد شعرت بوجوده، أطبقت على جفنيها أكثر، سائلة الله أن يصرف عنها الشيخ، وإلا لعنتها الملائكة حتى تصبح
واقترب الشيخ وحاول إيقاظها فهمست : إني متعبه ، فذكرها بلعنات الملائكة فهمست : ارجوك، فذكرها بحديث آخر قائلاً :أما سمعت قوله صلى الله عليه وسلم : إذا دعا الرجل زوجته ‏‏لحاجته ‏‏فلتأته وإن كانت على ‏ ‏التنور
لكن سلمى التي كانت متعبة حقاً، والتي كانت تعلم أنها لن تقبل لها صلاة مادم زوجها غاضباً عليها، كانت متعبة حقاً، ولكونها متعبه حقاً مرتين ، فلم تفلح كل محاولات الشيخ طاهر في إيقاظها ، فكان أن خلع ما بطن من ملابسه، وكان ما كان عنوه
في الظهيرة صعد الشيخ طاهرأيوب إلى المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد:-
فحديثي اليوم عن النساء ، النساء وما أدراكم ما النساء ،قال المصطفى صلى الله عليه وسلم :"ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" نعم صدقت يا حبيبي يا رسول الله، صدقت يا نبي الله ، وحدث ما أنبأت به ،فصرن كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة
وراح يصرخ وينذر ويزيد ويتوعد ملقياً ما ألقاه ليلاً على أذن سلمى من أحاديث، ثم قال: وانظروا ماذا قال عنهن ابن عباس رضي الله عنهما : لم يكن كفر من مضى إلا من قبل النساء، وهو كائن كفر من بقي من قبل النساء
في الطابق الثاني من الجامع جلست أم عبد الله مع حشد النسوة المتشحات بالسواد جميعاً، إلا واحدة،جلسن يستمعن للشيخ، خاشعات منصتات، تائبات مستغفرات عما تقدم ، متمنيات العفو عما تأخر، وكانت الواحدة التي لا تشاركهن الخشوع، تتبسم غيظاً من كلام الشيخ، وعقم حديثه، فكن ينظرن إليها بتوعد وغضب ثم يتمتمن في حسرة ، مستغفرات خاشعات، للشيخ طاهر منصتات، وكاد الأمر يمر بسلام بين استغفارات وابتسامات وزفرات ،لولا أن الشيخ طاهر لم يكتف بما سبق، بل تمطى بصلبه وأردف قائلاً :جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، أنا فلانة بنت فلان، قال: (قد عرفتك، فما حاجتك؟).قالت: حاجتي إلى ابن عمي فلان العابد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قد عرفته)،قالت: يخطبني، فأخبرني ما حق الزوج على الزوجة، فإن كان شيئا أطيقه تزوجته، وإن لم أطق لا أتزوج . قال: (من حق الزوج على الزوجة، أن لو سالت منخراه دما، وقيحا، وصديدا، فلحسته بلسانها ما أدت حقه، لو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، إذا دخل عليها لما فضله الله عليها) قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج ما بقيت في الدنيا
هنا صرخت التي لم تشاركهن العويل، بصوت رج أنحاء المسجد ، فسمعه الشيخ الهمام ، ومن حوله من الرجال ، صرخت قائلة: أي عبث هذا ؟! هذا كلام فارغ، ما أنزل الله به من سلطان
فتحولت الزفرات الى ضربات ولكمات، وعلت الأصوات وتمازجت، وصاح رجل من الجالسين الصمت الصمت، نحن في بيت الله ، أكمل يا شيخنا أكمل
وكأن الصدمة قد عقدت لسان الشيخ، فأكمل الخطبه في عجالة وضيق وحنق، ولم تنس أم عبد الله بعدما سكن الأمر قليلاً ،أثناء إقامة الصلاة، أن تذكرهن بموعد المحاضرة التي تلقيها عليهم عصر كل جمعة، فتمتمن خاشعات، حانقات على التي انزوت حتى إذا فرغت من صلاتها قامت مهرولة، وهي تقول: خذوا نصف دينكم من هذا الحمار، والنصف الآخر من هذه الحمارة

15 يونيو 2008

هاجس ليلي

حين راحت أذناك تتسلق الجدران
تسترق السمع ليلاّ
سمعت النبأ العظيم
لذت بالفرار
اصطدمت قدماك النحيفتان
بصفيحة قمامة
كدت أن تقع
خشيت أن يسمعك الناس
لكنك ابتعدت
ابتعدت
تاركا أذنيك المتسلقتين هناك
بعد عام أو نصف عام عدت
اختلف الأمر عن السابق كثيرا
احترتَ في أمرك
قلت مندهشا : أين أذناي ؟
قلت: في سرك ما لم اسمعه
قلت أيضاً : لم يكن الأمر سوى خدعة

ساذجة
ولعلك انصرفت لا أدري

23 مايو 2008

الطائر المحلق

ليست المشكلة في التحليق الأحادي لهذا الطائر، اذا كان يجيد الطيران، أو كان على الأقل يجيد عملية الهبوط الاضطراري على الماء، وقتئذ يستطيع ان يحول المسار ، أو أن يخادع السماء، التي أصابها انفلونزا الطيور ، فشحب لونها واصفر ، وتمنت صغار النوق لو تفجرت الأرض ينابيعاً، فقد اشتد بهم القحط والظمأ، بينما أسر هو في نفسه سراً لم يبح به ، وجاهر وهو يتضور جوعاً، أن لو كان يملك من الدنيا مثقال ذرة من خردل، لاستبدله بشيء من تبغ قليل، هنا كفت صاحبته عن تذكيره بالوعود، بعدما استيقنت أن الطيور، والطيور فقط ،هي التي تغدو خماصاً وتعود بطانا
همهم وهو يحدق في ذاته، إذا ليست المشكلة في انانية او ذاتية او نرجسية ذاك الطائر ذو التحليق الأحادي، أجابت وقد أسرت النجوى ، بعدما تكشف لها بعض سر من أسراره: نعم، المشكلة في إما أو ، وإذا استبعدنا إما، فلن يكون أمامنا من خيار إلا أو ،قال وقد تبسم ضاحكاً من نجواها: المشكلة يا صديقتي تكمن في التناقض الصارخ بين السعي المطلوب، وبين قول جدتي : أن من خرج من داره قل مقداره
حين ذاك أدركت حجم المأساة بوضوح، وقد تجلى لها سره المخفي كاملاً، وحين بلغ تعاطفها مداه،قالت: لم يتبق سوى أو
أطلقت سهما من سهام عينيها القاتلتين نحوه ، فخر الطائر مترنحاً ، دون أن يتعجب من تصرفها، أو أن يصدر عنه اي عتاب

8 مايو 2008

عم محمد الساعاتي...


الذي سافر بعيدا . أبعد من الأفق . حل به التعب . قال : الدهر . قال : التراب . بكى قال : العدم أمسك بجذع شجرة . سقط . قال : الألم . الذي حل
به التعب كان عظيما . ابتعد حيث لا أراه . صوت ذو شجن أخبرني أنه راحل إلى الأبد
___________

ربنا يعوض عليك يا عم محمد
قال باكياً وهو يلملم الزمان المبعثر حوله بحسرة وأسى : تعيش يبني
عم محمد الساعاتي، صاحب الدكانة الصغيرة لتصليح الساعات والتي بالكاد تستوعب أدوات التصليح، رجل رائع وديع، لم تكن تفارقه الابتسامة، وهو الذي طحنته الأيام طحناً
عم محمد الساعاتي وهب ساقه اليمنى للوطن، في حرب الاستنزاف، واتكأ على عصى،كنا نتآمر عليها في الصغر فنخطفها لنضحك، فكان يضحك قائلاً: "اليهود أخدوا رجلي هستخسر فيكم العصاية" ، ثم يصرخ منادياً: العصاية يا ولاد الكلب، فقط كي يضاحكنا ولا يحرمنا حلاوة المؤامرة
عم محمد ذاك الرجل الذي تخطى السبعين ببضع سنين، كان إذا ضحك ضحكت قلوبنا نحن الشباب الملتف حوله يسمع من حكاياته حكايات

حبيت في شبابك يا عم محمد
يااااااه يبني، ويسعل ضاحكاً بفم خال الا من سنة فضية قص علينا حكايتها مراراً ويقول: تصدقوا يا ولاد ان أول بنت حبتها كانت بنت يهودية
وحين يلاحظ الدهشه على الوجوه ، ويلاحظ أن أبصارنا اتجهت صوب الساق المبتورة، يضحك بفرحة طفل ، ويتمهل في الحكي كمل يا عم محمد ازاي دا حصل
كانت بنت صاحب المحل اللي كنت بشتغل عنده زمان أوي، بنت ميخائيل جاكوب السعاتي، دا كان اشهر سعاتي في البلد كلها ، الشارع دا كان اسمه في الاساس شارع يعقوب الساعاتي، وتغير بعد العدوان الثلاثي لشارع الساعاتي ، كنت لسه صغير يا ولاد ، بس والله يا ولاد جاكوب دا كان راجل طيب، رغم انه يهودي ابن كلب، حين يقول عم محمد ذلك نضحك جميعاً من مفارقة التناقض
عم محمد الذي سب اليهودي جاكوب، لم يكن يحمل ضغائن من ذلك النوع ابداً
لم أكن تجاوزت السادسة من عمري حين تشبثت ممسكاً بالساعة باكياً لوالدي: وحياة العدرا يا بابا تشتريلي الساعة دي، حاول والدي باللين ان ينحيني عن رغبتي ، وأن يشرح لي أن هذه الساعة ليست للبيع ، هذه ساعة زبون، ولما استيأس مني ، ولم يجد مني استجابة،لطمني لطمة على وجهي فوقعت، فضمني عم محمد الى صدره معاتباً والدي في رقة، ثم أهداني ساعة بعقارب، وأقسم ألا يأخذ مقابلاً ، وكنت من حين لآخر أذهب له فيعلمني كيف أتعرف على الوقت، عم محمد قال لي يوماً: حين بدأ الشد والجذب اللاهوتي بيني وبين اقراني المسلمين : يا مينا يا بني كلنا عيال الله
عم محمد الذي لم تكن تفارقة الابتسامة ، دكت شرطة المرافق كوخه الصغير ، فتبعثر الوقت في أرجاء المكان
ولسه بتحبها يا عم محمد

يضحك بقلب شفاف شجي، يا بني اذا توقفت بطارية الساعة في ايدك ، اياك تفكر ان الزمن قد توقف
عم محمد الذي لم تشفع له تضحياته، ولم يشفع له الكبر، ترك الدنيا ورحل، نعم تركها ورحل، نعم تركها ورحل

1 مايو 2008

محمد محمود العدوي/أفندم


محمد محمود العدوي
أفندم

تقدم الرائد محمد محمود العدوي بخطى عسكرية واثقة، وعلى بعد متر ونصف المتر توقف أمام القائد بثبات،ملقياً التحية العسكرية
*****
تخرج محمد محمود العدوي من الكلية الحربية سنة 1996م، بتقدير عام جيد جداً،ألحق بأكثر من بعثة تدريبية في الخارج ،اجتازها بتفوق مبهر
لم يقتصر العدوي على مجاله العسكري فقط، كما هي عادة طلبة وخريجي الكليات العسكرية، بل كان على قدر لا بأس به من الإطلاع والثقافة
العدوي كان أسمر البشرة،متوسط القامة_ أو على وجه الدقة إلى الطول أقرب_،مفتول العضلات في غير تكلف،كانت في ملامحه وسامة وان بدت ممزوجة بحدة الصلابة العسكرية

*********
في المساء استقل القطار عائداً إلى بيته،فراح يسابق الزمن في لهفة وشوق للقاء زوجته الشابة نور . ستة أشهر يا نور لم ألتق بك ، ستة أشهر ولم أرتو من رحيق شفتيك،ستة أشهر يا فتاتي ولم أر عينيك السوداويين،إن خمسة أيام فقط كانت هي كل ما قضيناه من شهر العسل، بالطبع يا فتاتي لم تكن كافية أبداً، ولكن ماذا كان عساي أن أفعل...؟
********
أولج المفتاح في الباب،وراح يضرب الجرس في آن ، همت نور لتفتح،لكنه كان قد سبقها،حين رأته صرخت في فرحة،وقفزت إليه كقطة رقيقة،لم تصدق نفسها،هو لم يخبرها أنه قادم، أراد أن يرى فرحة المفاجأة في عينيها،ألقى بحقيبته على الأرض،وتعانقا طويلاً اعتصرها بقوة ،حتى ذابت بين يديه،أفلتت منه،بغنج ودلال قالت: "مش كنت تقول يا حبيبي كي أعد لك ما لذ وطاب من الطعام" تأملها بابتسامة وقال : أنت كل ما أشتهيه من الطعام والشراب يا أميرتي .لم تدم السعادة إلا يومين وتم استدعاءه في عجالة، وكانت تلك أخر سعادة يحظيان بها
لم تكن خطى الرائد محمد محمود العدوي إلى مكتب التحقيقات خطى واثقة ثابتة هذه المرة ،بل كانت خطواته مرتعشة مهزوزة، فهذه أول مرة يتعرض فيها للتحقيق ، أخذ يقول في نفسه أي مصيبة جنتها يداك يا محمد ..؟
اسمك ...؟
محمد محمود العدوي
سنك ..؟
33 سنة
الرتبة العسكرية ..؟

رائد

بحكم اشتراكك في إعداد الخطة (606أ) فأنت مطلع على فحواها كاملة، أليس كذلك ؟
بلي سيدي

أخذ المحقق نفساً عميقاً ونفثه ثم قال : الخطة على جهاز الكمبيوتر الخاص بك ؟
نعم ولكنها مشفرة ولها رقم سري لا يعرفه إلا أنا، والمقدم أحمد رضوان
ما هي حدود علاقتك بالجندي المجند عبد الهادي صبري المهدي؟
علاقة رئيس بمرؤوسيه ؟
ما هي أخر مهمة أوكلتها إليه؟
إصلاح عطل الشبكات الداخلية للقسم، بحكم تخصصه في الاتصالات والشبكات

متى كان ذلك ؟
قبل أجازتي الأخيرة بيوم واحد

هل لاحظت عليه ميول إسلامية متطرفة ؟
رغم أن الدين لم يكن ليشغل الرائد محمد العدوي كثيراً، لكن الدين رغم كل شيء كامن في اللاوعي عنده،ولم يتسرب من وعيه بالكلية، فكان يصلي أحياناً، ويضيع غالباً،
لذلك استفزته صياغة السؤال على هذا النحو، فأجاب مستنكراً : إسلامية متطرفة، ماذا تعني بالضبط ؟
عدل المحقق من صياغة السؤال وكأنه تنبه أقصد ميول متشددة متطرفة؟
إذا كانت إقامة الصلوات في أوقاتها تطرفاً وتشدداً، فهو إرهابي حتى النخاع فقد كان حريصاً على ذلك جداً

حدق المحقق فيه بغيظ ، وسأله قائلاً : هل دار بينكم أي نقاش أو أي حوار خارج نطاق المأموريات المكلف بها ؟
نعم كان يحدث ذلك بصورة نادرة أثناء فترات الراحة ، كان يدعوني أحيانا أن أصلي معه ، وكنت أحياناً أفعل،كانت أخلاقه تجبرني على احترامه

لم يعد الرائد محمد يعرف هل بات يدافع عن نفسه، أم عن الجندي عبد الهادي، ثم عن ماذا يدافع في الأساس؟ ما الأمر ؟ تشتت ذهنه ، وبدا التوتر يظهر جليلاً في نبرات صوته ، لم يعد يتذكر مما دار بينه وبين عبد الهادي من نقاش إلا مقولة عبد الهادي التي كان يرددها دائماً ( لابد لنا أن نموت ، فلكل أجل كتاب، ولابد لنا أن نعود، فلكل شيء ميعاد)

ولماذا لم تخبر القيادة بذلك ...؟
لأني لم أر في تصرفاته ما يدعو للشك أو الريبة في أمره ، ما الأمر يا سيدي ؟ فقد بت مشتتاً ، وغير قادر على استيعاب الأمر
بعد ثلاث ساعات متواصلة من التحقيق أجاب العميد جمال بهاء الدين بسخرية وغضب في آن انها كارثة يا سيادة اللواء محمد محمود العدوي كارثة، ثم أردف لقد فك الجندي عبد الهادي الشفرة الخاصة بالخطة (606أ) من على جهاز الكمبيوتر الخاص بك ، وقام بإرسالها عبر الميل لجهة مجهولة، وهرب من الخدمة العسكرية ، هل فهمت الآن حجم الكارثة

تمتم الرائد بكلمات هو ذاته لم يفهمها لكن العميد باغته قائلاً: بناء على إهمالك الجسيم، وعدم إخطارك القيادة بشأن تصرفات ذاك الجندي، مما ترتب عليه تسريب معلومات عسكرية سرية في غاية الخطورة ، فأنت مبدئياً وإلى أن نتثبت أنك لم تكن شريكاً معه
مفصول نهائياً من الخدمة ، ممنوع من السفر مدة ست سنين ، حجبت عنك مكافأة نهاية الخدمة
*********
بات مذاق كل شيء مراً عسراً على الهضم، وارتدت الدنيا عباءة قاتمة السواد حالكة، وانطفأت مصابيح السماء، وكأن الليل أمسى سرمدا، حاول جاهداً أن يلتمس من زوجته نور نوراً ، لكن الصدمة كانت فوق الاحتمال
**********
بعد حوالي سنة ونصف تقريباً ، دوى انفجار رهيب هز الأرض هزا،قتل خمسون وقيل أكثر ، وجدوه هناك صريعاً، وقد تشرذم إلى أشلاء، قال شهود عيان: إن احدهم كان يردد أثناء فراره: ( لابد لنا أن نموت ، فلكل أجل كتاب، ولابد لنا أن نعود، فلكل شيء ميعاد)

3 أبريل 2008

الخروج من الجنة....

كانت تلك المرة من المرات القليلة، بل النادرة، التي أجلس فيها على المقاهي، بعدما سلكت طريقاً غير الذي كنت أسلكه، فتلك الأماكن لم أعد أحبها ولم أعد أفضلها، دون تكلف لابداء أسباب أو شروح، قد تبدو غير مستساغة لعشاق المقاهي ومرتاديها، وكل ما في الامر أن زوجتي في زيارة لصديقتها التي تسكن أعلى مقهى رمسيس، ولأنها لم تفرغ بعد ويبدو انها لن تفرغ ابداً، من حديثها مع صديقتها، طلبت مني ان انتظر قليلاً، فانتظرت
واحد شاي من فضلك
حاضر يا عم الشيخ
حين رآني أمجد سالم تقدم نحوي، كمن وجد ضالته، ثم جلس على الكرسي المقابل، لتفصل بيننا طاولة تترنح بمجرد اللمس، تبسم، فتبسمت، كاظماً غيظاً قد يتفجر في أي لحظة ، غيظاً من تطفله واقتحامه ، وغيظاً من جدل آت لا محالة، فأمجد كانت تربطني به صداقة وطيدة منذ الطفولة، انقطعت عراها منذ سنوات، بمجرد أن تنحيت عن طريق وعن أفكار كنت وإياه نتبناها
طلبت شيء
طلبت شاي
صرخ منادياً النادل: قهوه سادة
قال ساخراً بخبث مفضل اليه : خذ سيجارة ، ثم قال بجدية ماكرة ، قل لي يا شيخ : في الجنة انهار من عسل ومن خمر أليس كذلك ؟
أومأت برأسي دون أن أنبس
فقال متحدياً قدرتي على الصبر: أظن أن بها علباً من السجائر الفاخرة التي ما ان يشربها المرء لا يظمأ بعدها أبداً، ثم تمهل مخففاً من سخريته، تاركاً للنادل فرصة وضع كوب الشاي وفنجان القهوة وزجاجة المياة المعدنية، التي سكب بعضها بمجرد ان اهتزت الطاولة؛ لاصرار النادل على فتحها خشية ألا تمتد ايدينا اليها
بعد الرشفة الأولى قال بسخرية من يخبئ في صدره هماً يثقله : تعرف يا صديق الطفولة السابق، شيخ الدين محمد بن نصر الدين حالياً، أنكم سبب المصايب اللي في الدنيا كلها، انتم مش ناويين تبطلوا خطب ابداً، يخرب بيوتكم يا أخي زي ما خربتوا بيتي
أخذ نفساً عميقاً وراح يتكلم بحرقة غريبة دفعتني ألا أقاطعه، "مراتي طلبت الطلاق بسببك" . تبسمت مندهشاً
قال وقد طَعم كلامه بسباب يزيد تدريجياً ، قال ايه : اني كافر لأني مبصليش، قال ايه انها لازم تلبس النقاب، طب يا بنت الكلب انا متجوزك وانت مبتصليش ، وانت سافرة ، سافرة زي ما بتقول يا شيخ في خطبك ، انا متجوزها سافرة
تخيل بعد ستاشر سنه بتقولي نطلق
هنا أدركت حجم المشكلة ، وحجم المأزق الذي أنا فيه ، أدركت ان استفزازه لي منذ البداية استفزاز مغتاظ مهموم، لا استفزاز ساخر، لعنت زوجتي في سري ، فهي السبب الرئيس فيما أنا فيه الآن، وقلت أترى أبواب السماء كانت مفتوحة حين دعى، لكنه لم يمهلني حين انفجر باكياً، فتذكرت الطفولة والصبى، تذكرت بعضاً من شبابي الأول، أياماً كنت قد كبتها كي لا تطفو على السطح من جديد، تذكرت أمجد الانسان الطموح، أمجد الثائر اليساري القديم ، تذكرت نادية زميلتنا الرائعة ، التي تمنينا جميعاً ان تكون لنا زوجه ففاز هو بقلبها وفازت هي به
حين انفجر باكياً كغلام يتيم يعي معنى الفقد ، نحيت الطاولة جانباً واقتربت منه، وودت ان احتضنه، لكني خشيت عيون المتطفلين التي طلت علينا قلياً، ثم ولت مدبرة
جذبتني طفلتي نور من ظهري، فالتفت ،فإذا زوجتي على ناصية الشارع تنتظر، ربت على كتفيه، وحين هممت أن أغادر ، وقد أمسكت نور بكفي ، وسرنا قليلاً للأمام، تركت نور كفي وعادت وقالت في أسى: انت بتعيط ليه يا عمو
فأجابها وقد تحول البكاء لابتسامة حزن عميقه : "عشان ابوكي صديقي خرجني من الجنة"

21 مارس 2008

الذي كان يحب......

لم تكن لتخدعني حبيبتي، هناك سر لا اعرفه، هكذا قال لي دامعاً، ربما هو محق، وربما هي محاولة أخيرة للتماسك، كان يقول لي أنه يرى ان عبارة ديكارت "أنا اشك إذا انا موجود" عبارة كاذبة، فارغة المضمون
كان جمال علي يهمس لها قائلاً: أنا أحبك إذاً أنا موجود، وكانت تضحك متهمه اياه بالجنون، بينما يتمنى قلبها لو ازداد جنونه جنوناً فوق الجنون، قال انها هاتفته بالأمس وأخبرته أن كل شيء انتهى، ولم تمهله ان يعرف المزيد
طلب مني أن اغلق التلفاز، وأن أنتبه لحديثه، كانت مبارة الأهلي والزمالك ، وكان من المستحيل أن أستجيب لطلبه، كان يعلم هذا ، ومع ذلك اتهمني أني صخرة، وحين قفزت لاعناً من أهدر الفرصة التي كانت قاب قوسين أو أدنى ، اصابه الفزع ، وقال في سذاجة بريئة لا تتناسب مع طالب متفوق في سنة ثالثة آداب قسم فلسفة، انه سمع الشيخ يقول: ان الحب ليس حراماً ، وأن الأعمال بالنيات، بل ان القبلة من اللمم ، وان الحسنات يذهبن السيئات ، نظرت اليه بمعشار ذهن وقلت : بعد المبارة نتكلم
وبمجرد ان اطلق الحكم صافرته تاركاً له الفرصة ان يتكلم، أغلق التلفاز، وقال : "أنا اتصلت بيها يجي عشرين مرة ومبتردش ومغلق وخارج نطاق الخدمه، أعمل ايه بس ، أعمل ايه"
قلت بحزم : لا تفعل شيئاً، وانتظر، ولأنه كان يراني صخرة متحركة على قدمين، لا أرى في الفتاة إلا عينين وشفتين ونهدين وفخذين، حدق في للحظات ، وقال: الغلط غلطي أنا، كان علي ان أحدث انساناً له قلب، حاولت أن اشرح له بصبر لا يتناسب مطلقاً ورد فعل صخرة هُزم فريقها للتو، لكنه لم يمهلني وانطلق
بعد تلك الواقعة بأسبوع تقريباً، طرق أذنه النبأ العظيم، كنا في كافتريا الجامعة حين قالت هدى بخبث موجه: "عرفتم مش نهال اتخطبت لمحمود ناصر المعيد"
منذ ذلك الحين وأنا اسمعه يردد أن ديكارت كان عبقرياً
لكني لا أستطيع أن انسى انه بعدما صار معيداً في الجامعة، وكنت أنا كما انا معيداً لسنة رابعة، والبون شاسع بين هذه وتلك، لا انسى حين اخبرته ان سلوى التي خطبها، يحبها طالب في سنة ثانية كلية ، وأن الجميع يتحدث بهذا، تبسم في تكلف أكاديمي بحت وقال وكأنه يلقي شعراً : ما بال الصخرة قد رقّت ،ثم نظر الى الساعة المعلقة نظرة المتعجل،ولساعة يده في حركة آلية وكأنه يتأكد من الوقت بالوقت، وقال كمن اكتشف نظرية جديدة، بينما يمسك بحقيبته مذعناً بالانصراف: لو تركتها له لأصبح عاشقاً تافهاً، ولو تركها لي لأصبح أستاذاً مرموقاً، انظر، أنا اقدم له خدمه جلية
ثم انصرف

8 مارس 2008

دين القلب أم دين اللسان / غاية ام وسيلة


خطب معاوية الناس قائلا " : ( إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون ) ( 1)
ان معاوية هنا يقسم بالله انه ما قالتهم ليصلوا ولا ليصوموا . ولم قاتلتهم اذن؟
الإجابة: لأتأمر عليهم. ثم يرد الأمر لله، والناس كارهون
ان معاوية يعلن لهم صراحة ويقسم لهم بالله ان الامر ليس امر دين ، ومع ذلك اختاره الله لهم غصبا وكرها
اذن فقد حضر الدين ليثبت أركان الأسرة الحاكمه، فلم يأت معاوية/ الحاكم لتكون شعائر ونسك وحدود، كمفهوم ضيق للدين، أو اضافة الى ذلك تقى وتآلف كمفهوم أعم واوسع
أي ان الخليفة / الملك / الحاكم أياً كان المسمى، لم يكن ملكاً ليقيم الدين، بل جاء الدين ليقم له الملك او ليساعده على اقل تقدير في أن يكون حاكما على رقاب الناس وهم له كارهون
ولكن دعنا نتخيل أن معاوية كان يخطب في الناس في الجاهلية بعدما انتصر عليهم، واستبد بالأمر دونهم : اني لأظنه قائلاً:
( إني وهبل ما قاتلتكم لسقاية ولا رفادة ، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني هبل ذلك وأنتم كارهون )
ان وقع "هبل" في الجاهيلة على أذن سامعيها ،كوقع من يقول: و"المسيح" على اذن النصارى، لكان معاوية يخاطب مسلمين فقال: والله ، اي أنه استخدم اللغة التي يستطيع بها توكيد ما يريد ويقتنع السامع بما أراد هو توكيده، اذن ما هي الا فروق توقيت بين عصر وعصر، بين جاهلية واسلام
لقد استخدم معاوية ثقافة ولسان عصره _ كما استخدم المال كوسيلة أخرى لشراء الذمم وهما وسيلتان تسخدمان في كل عصر وان اختلفت الألفاظ والمدفوعات، فنراه،
وقد روى ابن عبدالبر قال : " وبعث إليه معاوية _ يقصد عبد الرحمن بن ابي بكر_ بمائة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد فردها عليه عبد الرحمن وأبى أن يأخذها وقال أبيع ديني بدنياي فخرج إلى مكة فمات بها قبل أن تتم البيعة ليزيد بن معاوية
إذن الدين كان وسيلة، والمال كان وسيلة، لتثبيت السلطان ، واللفظ اختلف باختلاف العصر، وإلا بأي نص في كتاب الله وسنة نبيه ، أُمر معاوية ان يقاتل الناس حتى يسودهم ويكون عليهم ملكاً
ثم انظر الى قوله حين قُتل الأشتر مسموماً : إن لله جندا من العسل
اصبح السم جندا من جنود الله
ثم انظر له وقد نسى الثأر الذي زعم، والدم الذي طالب : قال ابن عبدربه ( 140 ) : قدم معاوية المدينة بعد عام الجماعة ، فدخل دار عثمان بن عفان ، فصاحت عائشة ابنة عثمان ، وبكت ، ونادت أباها : واعثماناه ، تحرض بذلك معاوية على القيام بطلب ثأره
فقال معاوية : يا أبنة أخي إن الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أمانا ، وأظهرنا لهم حلما تحته غضب ، وأظهروا لنا ذلا تحته حقد ، ومع كل انسان سيفه ، ويرى موضع أصحابه ، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ، ولا ندري أعلينا تكون الدائرة أم لنا ، ولئن تكوني ابنة عم أمير المؤمنين خير من أن تكوني امرأة من عرض الناس . وأغدق العطاء على الرؤساء ، فمالوا إليه
ثم نراه يخطب وقد استخدم الدين في موضعه ، أي لم يستخدمه وسيلة لكسب الملك ولتوطيده-
قائلاً: فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ وقراضة الجلم, واتّعظوا بمن كان قبلكم, قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم, وارفضوها ذميمة, فقد رفضت من كان أشفق بها منكم.(2)
انه هنا يتحدث واعظاُ يتحدث ناصحاُ اميناً ، هنا يقصد اللفظ وما ينتج عنه من أثر ، فليس اللفظ هنا كما السابق محض ثقافة فروق توقيت
ولننظر لقول الحجاج في خطبه لأهل الكوفة لنوقن أن استخدام اللفظ الديني كان محض ثقافة، وكان الدين حاضراً على الدوام ليثبت الحاكم لا ليكون قيماً عليه: والله لأحْزِمَنَّكُمْ حزم السّلَمة، ولأضربنّكمِ ضربَ غرائب الإِبل، فإنكم لكأهل قريةٍ كانتْ آمنةً مُطْمَئِنةً يأتيها رزقُها رَغَداً من كلِّ مكانٍ فكفرتْ بأنْعُم الله فأذاقَها اللهُ لباسَ الجوع والخوفِ بما كانوا يصْنَعون، وإني والله ما أقولُ إلا وَفَّيتُ، ولا أَهُمُّ إلا أمضيَتُ، ولا أخْلقُ إلا فَرَيْت"
انه يقسم كما اقسم معاوية من قبل بالله ، ثم يتوعد ، ثم يقتبس تالياً الآية، ويختم بتوعد مقسما بالله أنه ما يقول والا ووفى، وكأني به يتلو قول الله تعالى: "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".سورة الصف آية 3
ثم ها هو عبد الملك بن مروان يوصي به خيرا وهو على فراش الموت : ومرض عبدالملك بن مروان مرضه الذي هلك فيه، وعهد بالخلافة من بعده الى ولده الوليد، وأوصاه بالحَجاج خيراً، وقال له: وانظر الحَجّاج فأكرمه، فإنه هو الذي وطّأ لكم المنابر، وهو سيفك يا وليد، ويدك على من ناواك، فلا تسمعن فيه قول أحد، وأنت إليه أحوج منه إليك. وادع الناس إذا مت الى البيعة، فمن قال برأسه هكذا، فقل: بسيفك هكذا...»(3)
اذن فالبطش هو السيد هنا ، والمنبر لا للوعظ ، بل يتجاوز حدود الوعظ، ليكون وسيلة اعلامية وطدت بفضل الحجاج لتثبيت الأركان
الدين _ومفرداته_ حاضراً على الألسن و بكل قوة، لكنه حضور توعد تارة، وحيلة بأن الله أراد هذا الأمر أو ذاك، تارة أخرى، حاضراً على الدوام كوسيلة لإقامة الممالك لا كغاية تصبوا اليها الممالك
* المراجع
(1): تاريخ ابن كثير ، ج 8 ص 131
(2):" العقد الفريد" (4\88-89
(3): تاريخ الخلفاء للسيوطي : 220

1 مارس 2008

الفقير الشحاذ

نقيق
صوت الضفادع ليس كلونها . لم يكن يتفلسف . لكني لم افهمه بعد . أقول: في الحقيقة هو غير مفهوم على الإطلاق . لكن على أي حال ظل لسنوات يقبلني كل صباح وهذا يكفي
هوة
عندما أخبروها أن طفلها الوحيد غرق في البئر أصابها عمى وشلل مؤقت . أما أنا فكنت أحاول إنقاذ هذا الصوت المبطن بالغبار الذي جاء من حفرة سحيقة يطلب الإغاثة. كنت حينها طفلا . حذرتني الخادمة ذات النهد البرونزي من الاقتراب من الحفرة . قالت أن تتوهم . قلت أنت كاذبة. عندما نام الجميع صحوت . بحثت عن حبل . اقتربت . لففته حول ساعدي وحول جسدي وساقي . انبطحت أرضا . رميت بالحبل . قلت للصوت أمسك بالحبل وتسلق . جذبني الصوت بقوة فهويت . استنجدت بها . قالت : تحمل نتيجة عملك

رحلة
الذي سافر بعيدا . أبعد من الأفق . حل به التعب . قال : الدهر . قال : التراب . بكى قال : العدم أمسك بجذع شجرة . سقط . قال : الألم . الذي حل
به التعب كان عظيما . ابتعد حيث لا أراه . صوت ذو شجن أخبرني أنه راحل إلى الأبد
هي هي

الحروف مبعثرة على الطاولة . أرتبها . تولد كلمات مثل : قتل . سفك . ذبح . هدم . من بعيد المتطفل الأحمق يعبث بألبوم صوري . يراني عارية . يضحك . أعيد ترتيب الحروف . تولد كلمات . الأحمق المتطفل دس صورة في جيبه . أنتبه . الكلمات المولودة هي هي قتل . سفك . ذبح . هدم . أقترب أمد يدي في جيبه أخرج الصورة . يضحك ضحكة شيطان ثمل . يحاول أن يطوقني . أفر من بين يديه. يهرول . أدور حول الطاولة . تتبعثر الأحرف . يتبعني أطعنه . يضحك ضحكة شيطان ثمل . تلطخ الصورة العارية . تولد كلمات أخرى مثل : قتل .
سفك . ذبح . هدم

مناصفة

الفقير الشحاذ ينظرالي في وداعة. اقترب . طلب الإحسان. لم اعره انتباهاً . يمد يده للمرة الثالثة. يدعو الله لي بالستر جهراً. وبالفقر سراً.
الفقير الشحاذ ينظر لي في حقد. أمد يدي في جيبي الخاوي وأخرج آخرجنيه معي أطلب منه في وداعة ان يتكرم علي بنصفه. الفقير الشحاذ يعدني بذلك . ثم ينصرف

9 فبراير 2008

المنتقبة والصليب المتدلي

ملقاة
التفاحة الملقاة في الطريق قبل أن تلعقها الهرة كان جهازه الهضمي قد تعامل معها . نظرت له الهرة في عتاب . أقسم لها أنه لم يتذوق التفاح من قبل قط . وقال: ربما تكوني تعاملتي معها ذات مره . ابتسمت الهرة، وانتظرت الفرج القريب .

صدقة
البعوضة التي تمص دمي بشغف أتركها تفعل . هي تحتاج إلى غذاء . وأنا قررت التصدق بدمي لها ، ولكن يوم أن طلب مني دم لصديقي وقررت التبرع له ، أخبرني الطبيب أن دمي فاسد لا يصلح
استدر يمينا
المنتقبة المتلفعة بالسواد تقود سيارتها المرسيدس بمهارة فائقة . تقف بمحاذاتي بمهارة هي الأخرى فائقة. تسأل المركز الطبي من فضلك . عندما تلمح الصليب المتدلي على صدري تنزعج . خيٌل لي ذلك . أجيب مستعيناً بذاكرتي، يميناً ثم يساراً ثم . تفهم أني لا أعرف المكان
بدقة . تفر من أسفل النقاب ابتسامة . أضحك . تضحك . تضغط على البنزين بقوة . تعاود القيادة بمهارة
ثلج
الشاب الذي يقف هناك أعمى . أقول : أنت مغرورة . ترد وهي تلاعب قطتها ذات العيون الخضر قد أكون . أقول : إذن أنا أعمى أيضا . تضحك من القلب . تقول : لا أنت فقط لوح ثلج

21 يناير 2008

سُكر


امنحيني
بعضاً من خمر
بعضاً من سكر
بعضاً من دفء
معتقاً بالياسمين
****
لا تضني علي بقبلة
لا تضني علي بضمة
فكل سهم من سهامك
يا فتاتي كل سهم
مستقر في قلبي الحزين
********
وهبي لي ثورة وجنونا
جامحاً
وروحاً سابحة وصلاة
وأنينا من دموع الخاشعين
وناياً عازفاً
وحطاماً من قلوب العاشقين
******
صدقيني يا فتاتي
لا تناقض
صدقيني
ان للشعراء دينا
غير دين العالمين
****
كل ذنب يغفره ربي
كل ذنب
إلا ذنب شاعر
أو ذنب شيطان لعين

9 يناير 2008

جارية سوداء كانت ...؟


طرق بالباب ينهمر ، أخشى ذاك الطرق وارتعد ، أخبئ نفسي في نفسي ، أتوسل للفراغ الممتد من مكاني الى الباب أن يخفيني داخله ، أستمد القوة من جذور عائلتي التي تمتد إلى القرن الثالث الهجري، أبي الأول كان سيداً للقبيلة ، بينما كانت أمي الأولى جارية سوداء ، وأنا في هذا القرن ، قرن ما بعد الحداثة أحمل سوادها ، كما أحمل ذاك التاريخ الدموي فوق كتفي ، ارتعد الآن بسبب الطرق المنهمر ، يتوغل خوفي إلى الأعماق ، تقفز أمام عيني جثثا وحيات وعقارب ، ويتجسد الرعب كشيطان منتفخ الأعضاء يصرخ في قائلا : هل أنت خائف ؟ هل أنت فزع ؟ هل أصابك الهلع . وأجيب خشية أن يبطش بي ، أنا مصاب بالهزع ، ربما من ارتباكي ، أو كان مقصدي أن اجمع بين الفزع والهلع ، ربما .يختلط صوت الطرق بأصوات كلاب تعوي ويمتزج ، كانوا ثلاثة أو أربعة ، ربما أكثر أو أقل ، لكني على يقين بأن جميعهم كانوا سودا ، لذلك تمنيت بعد النهشة الأولى أو قبلها، اختلط الأمر على ذاكرتي الآن، تمنيت لو قتل منهم كل بهيم أسود .كما الأطفال حين يلعبون، اختبأت أسفل السرير ، والطرق يتواصل دون انقطاع ، قفز من صدري طفل صغير، شق ضلوعي ، وانطلق يهرول في أرجاء المنزل، لا يأبه بالصوت ، أجزم انه لا يسمعه ، فكل من يسمعه يأبه به طوعا أو كرها ، الطفل يشبهني تماما ، ينادي أمه ، تسرع لتحتضنه ، تقبله بين عينيه ، تحميه بين ضلوعها ، أمه تشبه أمي تماما ، هو يشبهني تماما ، أنا هو ،وهي هي ، هي أمي وأنا هو ، أقترب منها ، أحدق في عينيها الدافئتين طالبا الدفء ، أماه أنا ابنك ، اتركي الطفل فأنا طفل كبير ، ورجل صغير ، أمي الطرق يزداد والخطر يلامسني ، الكلاب السود يا أمي لا ترحم ، أقترب أكثر، أمسك بذراع طفلها أحاول أن أنزعه لأحل محله ، تدافع عنه بشراسة ، تضرب صدري بقوة ، الطفل يضحك وكأنه انتصر ، ألح عليها أستجديها أستعطفها ، بقلب الأم الشفاف ، أو ربما شفقة على رجل بائس فزع يطلب النجدة ، تعترف ببنوتي ، يقفز الطفل إلى كينونتي ، يتأكد لأمي صدق كلامي ، أنا هو ، وهو أنا ، تحتويني تربت على ظهري ، أبك وأشعر لوهلة بالأمان ، أعود إلى نقطة البداية ، نقطة الميلاد ، أدعو الله أن يتوقف الزمن ، وكاد الزمن أن يستجيب؛ لولا أن عاجله أبي ، أبي الذي يشبه جدي شيخ القبيلة ، دخل شاهرا سيفه ، لا يتردد ، يضربني فيقسمني شطرين ، يجذر أمي مئة وسبعين قطعة ، خائنة تحتضن رجلاً غريباً ، يدخل فقط ليعيد للزمن حركته بعدما توقف ، ليتك انتظرت يا والدي أنا ابنك ، دم أمي الصافي يروي زهوراً حمراء قانية، وحقولاً خضراء ذات بهجة ، بينما نباح الكلاب السود يخترق الأوصال، ويشيب بقايا شعري الأسود، أنا القابع أسفل السرير أتمنى لو كنت نملة تختفي في ثقب الأرض ، لا يخيفها طرق الباب ، ولا يفزعها نباح الكلاب ، لكنني استدركت ربما كانت بصقه واحدة كفيلة بهلاكها .الضابط الذي خلقت البومة على شاكلته، بعدما دك السرير فوق رأسي ، والكلاب تحاصرني صرخ قائلا : أو تختبئ مثل النساء يا ابن الجبانة .أمي التي انشطرت وتجزأت إلى مئة وسبعين قطعة من أجلي جبانة ، أي جبن هذا يا أبله .قبيل الطرق كنت أقرأ الجريدة ، أتنقل من حين لآخر بين قنوات التلفاز ، أبحث عن مجرى لنهر ، بعيدا عن مجاري الدماء المراقة ، قطتي تقفز فوق صدري تغرس أظافرها في قميصي، تداعبني ، لا تتركني أشرب السجارة وحدي، لابد أن يكون لها منها نصيب ، لكنها فجأة التفتت يمينا ويسارا، ثم قفزت مرتبكة تجاه الشباك ساكبة فنجان القهوة على الصورة ، صرخت فيها نونا نونا نونا _هذا هو اسم قطتي _ لكنها كانت قد ألقت بنفسها ، هل كانت تستشعر خطر الكلاب السود ، أم أنها مخلصة لدرجة لا تستطيع بعدها أن تعيش بدوني ، بكيتها بكل ألوان البكاء ، وحزنت عليها بكل ألوان الحزن ، بكل قلوب الرحماء ، وضاعف حزني ضياع معالم الصورة ، على الشاطئ أقف على اليمين، وتقف بجانبي ابنة عمي علا بملابس البحر ، تلك التي صارت بعدها بأعوام زوجة لي ، أختي هدى تتوسط أبي وأمي وتشير بكفها الصغير آخر إشارة لبائع الأيس كريم، بينما ابتسامتها الملائكية تغمر وجهها .نعدو بعد التقاط الصورة، نضرب أمواج البحر بأرجلنا وأيدينا ، فترد لنا الكرة كرتين والصفعة صفعتين ، جلسنا أنا وعلا ومحمد وياسر وآخرون ، حفرنا حفرة عميقة، غرسنا هدى فيها ، فقط رأسها يظهر ، ضحكنا وضحك الجميع إلا هي ، عشرات المرات غرسنا في تلك الحفر وأشباهها ، وضحكنا وما متنا ، لماذا ماتت هي ؟ لا أدري حقا لماذا ؟فررت أنا وعلا خشية ماذا؟ لا ندري ، هل خشية بطش الأهل ؟ لا ندري ، كنا صغارا فهربنا ، لم نكن نعرف طعم الفزع ، طعم الخوف ، طعم الموت ، فتذوقنا تلك الطعوم ، بكينا طويلا ، واختبأنا من أنفسنا ، قالت والدموع تموج بعينيها : هل ماتت هدى .أطل الليل بسواده واصطحبنا أحد المصطافين إلى المسجد، ونادى المؤذن وكرر النداء ، ولم تفلح أكياس الشبسي ولا العصائر أن تعيد إلينا ابتسامتنا ، كنا مضطربين نرتعش ، نحن من تسبب في موت هدى ، هدى أختي ، نحن لا نريد الذهاب ، لا نريد أن يتعرف علينا احد ، كم مرة تذكرنا ذاك الموقف أنا وعلا ونحن زوجان ، كم من مرة ارتعشت جلودنا ثم توحدنا ليحتمي كل منا بالآخر .نعم حزنت على قطتي ، نعم استرجعت أحداث الصورة الأليمة ، نعم تذكرت ما مضى ، نعم فاضت عيناي بالدمع، حدث ذلك في دقائق معدودة قبيل الطرق .وربما كان الطرق محض تخيلات ، وربما لم يكن هناك نهش ولا سواد ، هكذا اخبرني الضابط إذا سئلت أن أجيب : جئت هنا بمحض إرادتي ، أنا خائن وأقر بخيانتي ، وخائن لزوجتي إذا أردتم ، كما أنني عميل لخمسة آلاف دولة أو يزيد .أخبرني الضابط أيضا : أن عوادم السيارات في مدينتنا دعم من قبل الحكومة، للحد من غلاء السجائر ، وان غلاء الخبز يعود إلى تآمر الكون علينا ، في الحقيقة لم يكن يخبرني بمفردي ، كان معنا جمع غفير ، كلهم قالوا آمين ، فقلت معهم آمين، لكني مازلت متحيرا هل نحن المغضوب عليهم أم الضالين

2 يناير 2008

العقل المشرعن بالشريعة العاقلة.....

الإنسان كائن ضعيف متقلب الأجواء متغير الطباع ، تجده يسلك سلوكا حسنا وآخر سيئا ، تجده خيّراً ثم ما تلبث أن تجده شريراً ، فهو لا يمكث على وتيرة واحدة ، يغضب يهدأ ، يفرح يحزن ، يقسو يحنو ، فهو بذلك مجموعة من المتناقضات المتشابكة المتداخلة التي يصعب الفصل بينها ، والأداة أو الوسيلة التي كلفت الفصل بين تلك المعتقدات والسلوكيات والتصرفات المتباينة والمتداخلة هي
( العقل ) . إذ أن العقل هو الأداة المسيطرة على النوازع والرغبات والأفكار والسلوكيات وكل المتناقضات التي أشرت إليها ، والعقل هو المهيمن عليها ، اقصد ( من الواجب أن يكون هو المهين عليها ) ، ولما كان العقل هو مناط التكليف ، والإنسان ما حمّل الرسالة وكلف بالفرائض إلا لأنه يملك هذا العقل ، كان لزاما أن من يملك العقل يملك حمل الرسالة ومن لا يملكه لا يملك حملها ، فهذا العقل الذي ملكه الإنسان هو الميزان الذي يفاضل بين الأمور ويرجح بينها ، وهذه هي وظيفته التي خلق من أجلها ، فالمجنون لا يملك العقل ( آلة التفكير ) وهو بالتالي لا يميز بين الأمور ولا يفاضل بينها، ولا يتدبر فيها، فيصل بناء على مقدمات ونتائج إلى الأصلح والأفضل من بين تلك الأمور ، ولكن إذا افترضت أن مجنوناً ( صدق في قوله ) (وكذب عاقل في قوله ) هنا نقول: في هذا الافتراض أن المجنون عندما صدق في قوله لم يكن يستطيع إلا أن يصدق ، وحتى لو كان كذب في قوله فهو لا يستطيع إلا أن يكذب، فهو لم يفكر لماذا نطق فصدق ؟ ولماذا إذا قال هذا الكلام سمي كلامه كذبا ، بينما العاقل على خلاف ذلك تماما ، فهو يصدق بتفكيره ويكذب بتفكيره، وهنا قد يقول قائل إذن العقل لا يستطيع أن يصل إلى الحقيقة فهو قاصر مادام قد يصل إنسان بعقله إلى الكذب أو إلى غيره من الأخطاء ..أقول له وأجزم بأن: ( كل فكرة أو تصرف أو قول بعيد عن الهوى هو نتاج التعقل)أي نتاج عملية التفكير المبني على مقدمات ونتائج ، فالعاقل إذن إذا كذب لم يكن يحسن عملية التعقل أي التفكير بينما ( عقله ) غير قاصر عن هذا التفكير، وبالتالي فهناك فرق بين ( العقل ) كآلة أو وسيلة لا تخطئ لأنها مناط التكليف ، تحملت عبء الرسالة ، ولا بد لها أن تكون كاملة غير قاصرة لأنها ستحمل رسالة من رب العزة وهي رسالة كاملة .. والناقص لا يحمل كامل ...أما التعقل وهو ( العملية الفكرية المبنية على المقدمات والنتائج البعيدة كل البعد عن الهوى ) مصداقا لقوله تعالى

(ونهى النفس عن الهوى)
والإنسان قد يصل بتعقله أي بتفكيره وبعده عن الهوى إلى قيم الحق وقد لا يصل ، لأن الإنسان لا يستطيع أن يجمع كل الأدلة وكل وجوه الحقيقة في آن واحد ( أي لا يستطيع أن يجمع كل المقدمات الصحيحة ويدخلها إلى عقله فينتج نتائج صحيحة بل قد يدخل مقدمات يظن أنها صحيحة وهي ليست كذلك رغم بعده عن الهوى فينتج نتائج غير صحيحة ) ولذلك كان لابد من شريعة من رب العزة تكمل عملية التعقل وتصل بها إلى ( الكمال التعقلي )أي الكمال الفكري( فالشريعة منحت العقل كل المقدمات الصحيحة والعقل بناء على ذلك لن ينتج إلا نتائج صحية).. والعقل والشريعة متحدان لا تضاد بينهما على وجه الإطلاق وإذا حدث وقال أحد أن هناك تضاد بينهما نكون بين أمرين :- إما أن يكون تعقله غير صحيح أي مبني على مقدمات غير صحيحة وبالتالي ينتج العقل نتائج غير صحيحة ( بافتراض البعد عن الهوى) ..- أو أن يكون ما نسب إلى الشريعة ليس منها في شيء، أي ما بنى تعقله عليه وافترض انه من الشريعة ليس من الشريعة بل دخيل عليها ...وقد يسأل سائل هذا السؤال إذا كنت تقول أن العقل كامل وغير قاصر فلماذا لا يصحح ما يدخل إليه من مقدمات غير صحيحة ؟؟؟!أقول إذا كان على العقل أن يصحح المقدمات لينتج نتائج صحيحة لكان ذلك خطأ في العقل ذاته وذلك للآتي :لو وضعت في آلة حاسبة أن 1+1= 3ثم وجدتها من ذاتها أثناء ما كنت تجري العملية الحسابية تصحح لك هذا الخطأ
ويصبح الناتج1 +1= 2 لكانت هذه الآلة فاسدة
حيث أنك قد تضع فيها أن 1+1=2فتجدها تعطيك ناتجا آخر ومن هنا نخلص إلى أن العقل يخرج النتائج بناءً على المقدمات الموضوعة فيه، فإذا وضعت في عقلك مقدمات تحفزك على القتل وغذيته بها إلى حد الإشباع وقتلت هنا لم يخطئ العقل ، ولهذا فالشريعة تأتي بالمقدمات الكاملة ليخرج لنا العقل نتائج لا تشوبها شائبة و إلا إذا افترض أن العقل قاصر ووضعت به المقدمات التي جاءت بها الشريعة وأنتج نتائج قاصرة فهو غير ملام ما دام هو قاصر والتشريع كامل ..الشريعة إذن هي المقدمات الصحيحة والعقل هو المنتج الوحيد لنتائج صحيحة .في النهاية نؤكد أنه إذا حدث تعارض بين الشريعة والعقل نكون بين أمرين :1- المفترض أنه من الشريعة ليس منها في شيء .2- أن التعقل فاسد ومبني على مقدمات غير صحيحة .
فالشريعة عاقلة والعقل يهتدي بها لينتج نتائج لا تشوبها شائبة

اسامة يس
2002