21 يناير 2008

سُكر


امنحيني
بعضاً من خمر
بعضاً من سكر
بعضاً من دفء
معتقاً بالياسمين
****
لا تضني علي بقبلة
لا تضني علي بضمة
فكل سهم من سهامك
يا فتاتي كل سهم
مستقر في قلبي الحزين
********
وهبي لي ثورة وجنونا
جامحاً
وروحاً سابحة وصلاة
وأنينا من دموع الخاشعين
وناياً عازفاً
وحطاماً من قلوب العاشقين
******
صدقيني يا فتاتي
لا تناقض
صدقيني
ان للشعراء دينا
غير دين العالمين
****
كل ذنب يغفره ربي
كل ذنب
إلا ذنب شاعر
أو ذنب شيطان لعين

9 يناير 2008

جارية سوداء كانت ...؟


طرق بالباب ينهمر ، أخشى ذاك الطرق وارتعد ، أخبئ نفسي في نفسي ، أتوسل للفراغ الممتد من مكاني الى الباب أن يخفيني داخله ، أستمد القوة من جذور عائلتي التي تمتد إلى القرن الثالث الهجري، أبي الأول كان سيداً للقبيلة ، بينما كانت أمي الأولى جارية سوداء ، وأنا في هذا القرن ، قرن ما بعد الحداثة أحمل سوادها ، كما أحمل ذاك التاريخ الدموي فوق كتفي ، ارتعد الآن بسبب الطرق المنهمر ، يتوغل خوفي إلى الأعماق ، تقفز أمام عيني جثثا وحيات وعقارب ، ويتجسد الرعب كشيطان منتفخ الأعضاء يصرخ في قائلا : هل أنت خائف ؟ هل أنت فزع ؟ هل أصابك الهلع . وأجيب خشية أن يبطش بي ، أنا مصاب بالهزع ، ربما من ارتباكي ، أو كان مقصدي أن اجمع بين الفزع والهلع ، ربما .يختلط صوت الطرق بأصوات كلاب تعوي ويمتزج ، كانوا ثلاثة أو أربعة ، ربما أكثر أو أقل ، لكني على يقين بأن جميعهم كانوا سودا ، لذلك تمنيت بعد النهشة الأولى أو قبلها، اختلط الأمر على ذاكرتي الآن، تمنيت لو قتل منهم كل بهيم أسود .كما الأطفال حين يلعبون، اختبأت أسفل السرير ، والطرق يتواصل دون انقطاع ، قفز من صدري طفل صغير، شق ضلوعي ، وانطلق يهرول في أرجاء المنزل، لا يأبه بالصوت ، أجزم انه لا يسمعه ، فكل من يسمعه يأبه به طوعا أو كرها ، الطفل يشبهني تماما ، ينادي أمه ، تسرع لتحتضنه ، تقبله بين عينيه ، تحميه بين ضلوعها ، أمه تشبه أمي تماما ، هو يشبهني تماما ، أنا هو ،وهي هي ، هي أمي وأنا هو ، أقترب منها ، أحدق في عينيها الدافئتين طالبا الدفء ، أماه أنا ابنك ، اتركي الطفل فأنا طفل كبير ، ورجل صغير ، أمي الطرق يزداد والخطر يلامسني ، الكلاب السود يا أمي لا ترحم ، أقترب أكثر، أمسك بذراع طفلها أحاول أن أنزعه لأحل محله ، تدافع عنه بشراسة ، تضرب صدري بقوة ، الطفل يضحك وكأنه انتصر ، ألح عليها أستجديها أستعطفها ، بقلب الأم الشفاف ، أو ربما شفقة على رجل بائس فزع يطلب النجدة ، تعترف ببنوتي ، يقفز الطفل إلى كينونتي ، يتأكد لأمي صدق كلامي ، أنا هو ، وهو أنا ، تحتويني تربت على ظهري ، أبك وأشعر لوهلة بالأمان ، أعود إلى نقطة البداية ، نقطة الميلاد ، أدعو الله أن يتوقف الزمن ، وكاد الزمن أن يستجيب؛ لولا أن عاجله أبي ، أبي الذي يشبه جدي شيخ القبيلة ، دخل شاهرا سيفه ، لا يتردد ، يضربني فيقسمني شطرين ، يجذر أمي مئة وسبعين قطعة ، خائنة تحتضن رجلاً غريباً ، يدخل فقط ليعيد للزمن حركته بعدما توقف ، ليتك انتظرت يا والدي أنا ابنك ، دم أمي الصافي يروي زهوراً حمراء قانية، وحقولاً خضراء ذات بهجة ، بينما نباح الكلاب السود يخترق الأوصال، ويشيب بقايا شعري الأسود، أنا القابع أسفل السرير أتمنى لو كنت نملة تختفي في ثقب الأرض ، لا يخيفها طرق الباب ، ولا يفزعها نباح الكلاب ، لكنني استدركت ربما كانت بصقه واحدة كفيلة بهلاكها .الضابط الذي خلقت البومة على شاكلته، بعدما دك السرير فوق رأسي ، والكلاب تحاصرني صرخ قائلا : أو تختبئ مثل النساء يا ابن الجبانة .أمي التي انشطرت وتجزأت إلى مئة وسبعين قطعة من أجلي جبانة ، أي جبن هذا يا أبله .قبيل الطرق كنت أقرأ الجريدة ، أتنقل من حين لآخر بين قنوات التلفاز ، أبحث عن مجرى لنهر ، بعيدا عن مجاري الدماء المراقة ، قطتي تقفز فوق صدري تغرس أظافرها في قميصي، تداعبني ، لا تتركني أشرب السجارة وحدي، لابد أن يكون لها منها نصيب ، لكنها فجأة التفتت يمينا ويسارا، ثم قفزت مرتبكة تجاه الشباك ساكبة فنجان القهوة على الصورة ، صرخت فيها نونا نونا نونا _هذا هو اسم قطتي _ لكنها كانت قد ألقت بنفسها ، هل كانت تستشعر خطر الكلاب السود ، أم أنها مخلصة لدرجة لا تستطيع بعدها أن تعيش بدوني ، بكيتها بكل ألوان البكاء ، وحزنت عليها بكل ألوان الحزن ، بكل قلوب الرحماء ، وضاعف حزني ضياع معالم الصورة ، على الشاطئ أقف على اليمين، وتقف بجانبي ابنة عمي علا بملابس البحر ، تلك التي صارت بعدها بأعوام زوجة لي ، أختي هدى تتوسط أبي وأمي وتشير بكفها الصغير آخر إشارة لبائع الأيس كريم، بينما ابتسامتها الملائكية تغمر وجهها .نعدو بعد التقاط الصورة، نضرب أمواج البحر بأرجلنا وأيدينا ، فترد لنا الكرة كرتين والصفعة صفعتين ، جلسنا أنا وعلا ومحمد وياسر وآخرون ، حفرنا حفرة عميقة، غرسنا هدى فيها ، فقط رأسها يظهر ، ضحكنا وضحك الجميع إلا هي ، عشرات المرات غرسنا في تلك الحفر وأشباهها ، وضحكنا وما متنا ، لماذا ماتت هي ؟ لا أدري حقا لماذا ؟فررت أنا وعلا خشية ماذا؟ لا ندري ، هل خشية بطش الأهل ؟ لا ندري ، كنا صغارا فهربنا ، لم نكن نعرف طعم الفزع ، طعم الخوف ، طعم الموت ، فتذوقنا تلك الطعوم ، بكينا طويلا ، واختبأنا من أنفسنا ، قالت والدموع تموج بعينيها : هل ماتت هدى .أطل الليل بسواده واصطحبنا أحد المصطافين إلى المسجد، ونادى المؤذن وكرر النداء ، ولم تفلح أكياس الشبسي ولا العصائر أن تعيد إلينا ابتسامتنا ، كنا مضطربين نرتعش ، نحن من تسبب في موت هدى ، هدى أختي ، نحن لا نريد الذهاب ، لا نريد أن يتعرف علينا احد ، كم مرة تذكرنا ذاك الموقف أنا وعلا ونحن زوجان ، كم من مرة ارتعشت جلودنا ثم توحدنا ليحتمي كل منا بالآخر .نعم حزنت على قطتي ، نعم استرجعت أحداث الصورة الأليمة ، نعم تذكرت ما مضى ، نعم فاضت عيناي بالدمع، حدث ذلك في دقائق معدودة قبيل الطرق .وربما كان الطرق محض تخيلات ، وربما لم يكن هناك نهش ولا سواد ، هكذا اخبرني الضابط إذا سئلت أن أجيب : جئت هنا بمحض إرادتي ، أنا خائن وأقر بخيانتي ، وخائن لزوجتي إذا أردتم ، كما أنني عميل لخمسة آلاف دولة أو يزيد .أخبرني الضابط أيضا : أن عوادم السيارات في مدينتنا دعم من قبل الحكومة، للحد من غلاء السجائر ، وان غلاء الخبز يعود إلى تآمر الكون علينا ، في الحقيقة لم يكن يخبرني بمفردي ، كان معنا جمع غفير ، كلهم قالوا آمين ، فقلت معهم آمين، لكني مازلت متحيرا هل نحن المغضوب عليهم أم الضالين

2 يناير 2008

العقل المشرعن بالشريعة العاقلة.....

الإنسان كائن ضعيف متقلب الأجواء متغير الطباع ، تجده يسلك سلوكا حسنا وآخر سيئا ، تجده خيّراً ثم ما تلبث أن تجده شريراً ، فهو لا يمكث على وتيرة واحدة ، يغضب يهدأ ، يفرح يحزن ، يقسو يحنو ، فهو بذلك مجموعة من المتناقضات المتشابكة المتداخلة التي يصعب الفصل بينها ، والأداة أو الوسيلة التي كلفت الفصل بين تلك المعتقدات والسلوكيات والتصرفات المتباينة والمتداخلة هي
( العقل ) . إذ أن العقل هو الأداة المسيطرة على النوازع والرغبات والأفكار والسلوكيات وكل المتناقضات التي أشرت إليها ، والعقل هو المهيمن عليها ، اقصد ( من الواجب أن يكون هو المهين عليها ) ، ولما كان العقل هو مناط التكليف ، والإنسان ما حمّل الرسالة وكلف بالفرائض إلا لأنه يملك هذا العقل ، كان لزاما أن من يملك العقل يملك حمل الرسالة ومن لا يملكه لا يملك حملها ، فهذا العقل الذي ملكه الإنسان هو الميزان الذي يفاضل بين الأمور ويرجح بينها ، وهذه هي وظيفته التي خلق من أجلها ، فالمجنون لا يملك العقل ( آلة التفكير ) وهو بالتالي لا يميز بين الأمور ولا يفاضل بينها، ولا يتدبر فيها، فيصل بناء على مقدمات ونتائج إلى الأصلح والأفضل من بين تلك الأمور ، ولكن إذا افترضت أن مجنوناً ( صدق في قوله ) (وكذب عاقل في قوله ) هنا نقول: في هذا الافتراض أن المجنون عندما صدق في قوله لم يكن يستطيع إلا أن يصدق ، وحتى لو كان كذب في قوله فهو لا يستطيع إلا أن يكذب، فهو لم يفكر لماذا نطق فصدق ؟ ولماذا إذا قال هذا الكلام سمي كلامه كذبا ، بينما العاقل على خلاف ذلك تماما ، فهو يصدق بتفكيره ويكذب بتفكيره، وهنا قد يقول قائل إذن العقل لا يستطيع أن يصل إلى الحقيقة فهو قاصر مادام قد يصل إنسان بعقله إلى الكذب أو إلى غيره من الأخطاء ..أقول له وأجزم بأن: ( كل فكرة أو تصرف أو قول بعيد عن الهوى هو نتاج التعقل)أي نتاج عملية التفكير المبني على مقدمات ونتائج ، فالعاقل إذن إذا كذب لم يكن يحسن عملية التعقل أي التفكير بينما ( عقله ) غير قاصر عن هذا التفكير، وبالتالي فهناك فرق بين ( العقل ) كآلة أو وسيلة لا تخطئ لأنها مناط التكليف ، تحملت عبء الرسالة ، ولا بد لها أن تكون كاملة غير قاصرة لأنها ستحمل رسالة من رب العزة وهي رسالة كاملة .. والناقص لا يحمل كامل ...أما التعقل وهو ( العملية الفكرية المبنية على المقدمات والنتائج البعيدة كل البعد عن الهوى ) مصداقا لقوله تعالى

(ونهى النفس عن الهوى)
والإنسان قد يصل بتعقله أي بتفكيره وبعده عن الهوى إلى قيم الحق وقد لا يصل ، لأن الإنسان لا يستطيع أن يجمع كل الأدلة وكل وجوه الحقيقة في آن واحد ( أي لا يستطيع أن يجمع كل المقدمات الصحيحة ويدخلها إلى عقله فينتج نتائج صحيحة بل قد يدخل مقدمات يظن أنها صحيحة وهي ليست كذلك رغم بعده عن الهوى فينتج نتائج غير صحيحة ) ولذلك كان لابد من شريعة من رب العزة تكمل عملية التعقل وتصل بها إلى ( الكمال التعقلي )أي الكمال الفكري( فالشريعة منحت العقل كل المقدمات الصحيحة والعقل بناء على ذلك لن ينتج إلا نتائج صحية).. والعقل والشريعة متحدان لا تضاد بينهما على وجه الإطلاق وإذا حدث وقال أحد أن هناك تضاد بينهما نكون بين أمرين :- إما أن يكون تعقله غير صحيح أي مبني على مقدمات غير صحيحة وبالتالي ينتج العقل نتائج غير صحيحة ( بافتراض البعد عن الهوى) ..- أو أن يكون ما نسب إلى الشريعة ليس منها في شيء، أي ما بنى تعقله عليه وافترض انه من الشريعة ليس من الشريعة بل دخيل عليها ...وقد يسأل سائل هذا السؤال إذا كنت تقول أن العقل كامل وغير قاصر فلماذا لا يصحح ما يدخل إليه من مقدمات غير صحيحة ؟؟؟!أقول إذا كان على العقل أن يصحح المقدمات لينتج نتائج صحيحة لكان ذلك خطأ في العقل ذاته وذلك للآتي :لو وضعت في آلة حاسبة أن 1+1= 3ثم وجدتها من ذاتها أثناء ما كنت تجري العملية الحسابية تصحح لك هذا الخطأ
ويصبح الناتج1 +1= 2 لكانت هذه الآلة فاسدة
حيث أنك قد تضع فيها أن 1+1=2فتجدها تعطيك ناتجا آخر ومن هنا نخلص إلى أن العقل يخرج النتائج بناءً على المقدمات الموضوعة فيه، فإذا وضعت في عقلك مقدمات تحفزك على القتل وغذيته بها إلى حد الإشباع وقتلت هنا لم يخطئ العقل ، ولهذا فالشريعة تأتي بالمقدمات الكاملة ليخرج لنا العقل نتائج لا تشوبها شائبة و إلا إذا افترض أن العقل قاصر ووضعت به المقدمات التي جاءت بها الشريعة وأنتج نتائج قاصرة فهو غير ملام ما دام هو قاصر والتشريع كامل ..الشريعة إذن هي المقدمات الصحيحة والعقل هو المنتج الوحيد لنتائج صحيحة .في النهاية نؤكد أنه إذا حدث تعارض بين الشريعة والعقل نكون بين أمرين :1- المفترض أنه من الشريعة ليس منها في شيء .2- أن التعقل فاسد ومبني على مقدمات غير صحيحة .
فالشريعة عاقلة والعقل يهتدي بها لينتج نتائج لا تشوبها شائبة

اسامة يس
2002