26 أغسطس 2011

من كل نُحاس الأرض أتربة ودخان

تاريخ طويل بينهما، والعمر مهما طال قصير، منذ اللحظة الأولى للتجرد، انطفأت أنوار القُطر بأكمله، وكأنها تذعن
بالقادم الآتي؛ فحلت مصابيح في ظاهرها الزينة، وفي باطنها الاحتراق. كذّاب هو من قال: إني أعلم الغيب، مشعوذ هو من ألقى البخور، أفاق هو من استرق السمع.
في السنوات الخمس الأولى، قذفت الحمم البركانية في الرحم خمسة مسوخ، لا
ندري أكان لعلم الأجنة كلمته؟ أم أن المكتسبات قد طغت؛ فشوهت المضامين.
المسخ الأول كانت أنثى، نُذرت للمحراب قصرًا؛ فأبت، ولاذت بالفرار، تمرد،
وثورة، وبعض حبل موصول، وزواج باركه الأب، فاتحد الأخضر بالأحمر، وهناك في العش
أعيد تشكيل الوعي الأنثوي، فطغى الأحمر وتمكن، وإن تبقى بعض أثر يطفو لمحراب قديم.
الأب هناك في الهجرة، والهجرة كما تعلم أنواع ثلاثة، لا أحد يجيد اللعب بالأوراق، فمتى تمكنت منها سيدي، خدعتك،
وألقت بظلك فوق المقعد الخاوي، وتكون أنت في المشفى تتلقى علاج. الزوجة الأم أصيبت بالضغط، الأم الزوجة احتملت طمس سنين العمر على أمل وإن وطال.
المسخ الثاني كان ذكرًا، صدق الأكذوبة كاملة، فاختلط لديه عصير الأناناس
بسم الثعبان، الكل سواء، يخفي نفسه في ظلمات البحر، ويهرب من وجه الدنيا، بنفس
خائفة مرتاعة، صرح أن زواجه كان هروبًا، وقال الجن: بل فرارًا من ملاعبة العضو حتى
الهذيان. 
الأب القاطن في قرص الشمس، قال:
أعلم إني قد لبيت الأولى، والهجرة كما قلنا أنواع، صرح وها أنا في الهجرة الثانية،
ثم أسر حديثًا لم أسمعه. وكأني بالشيب قد أرقه، فعاد بذاكراته لنخيل ونسائم كانت تسكنه، فزفر ملتاعًا، وأقسم ألا يستسلم كعادته، وأعلن العصيان. حل موسم الجيش، وللجيش طقوس وعادات، أبى المسخ الأصغر أن يتجرعها، وظل المسخ الثالث يرسب وإن نجح، وعانت المسخ الرابعة من الأجواء، حتى لُفقت لها خطبه ارتضتها بفرحة تتأرجح فوق سحاب عاصف لا يرحم إنسان.
 بين السنين التي مرت أعوام وأعوام، أعوام تحمل أسرارًا، تحمل أثقالًا وأوزارًا، تحمل من كل نُحاس الأرض أتربة ودخان.
 في غربته اتخذ قرارًا، أقنع نفسه بأن الهجرة الثالثة واجبة، وأنه قد آن الأوان.
الصدمة كانت أكبر من أي احتمال، وطن طنين مزعج، وثار لغط لزج، أعرب عن ندمه
مرارًا، ثم عربد قائلًا: كل ما كان بيننا قديمًا كان؛ لأجل هذا المسخ أو ذاك.
أبعد هذا العمر؟ وتلك الصفحات الباكيات، تمزق أوصال الشجرة، تضرب فيها
بمعولك الأعوج، تلفظها، تقذفها في آتون اللهب القاني، وتقول بكل برود وتشنج: كانت
شجرة بور واحتملتها.
يا أيها الذي... حرام عليك، الشجرة التي أنبتت خمس فروع، صارت مسخًا من نطفتك الأولى .
يا أيها الذي ... المسوخ تشكل وعيها
على هدم الأصنام، واستعصى عليها هدم صنمك .... آلآن آلآن ؟؟!

5 يوليو 2011

شخرة جماعية من ميدان التحرير


هكذا يخبرنا لسنان العرب عن الشخر قائلًا:
شَخَرَ يَشْخِرُ شَخْراً.
الشَّخِيرُ: صَوْتٌ من الحَلْقِ، وقيل: من الأَنف، وقيل: من الفم دون الأَنف.
وربما تختلف القواميس وتشتط في معنى الشخر...  لكنا والحمد لله في مصر لا يمكن أن نضل عنه السبيل، ولا أن تصاب جيوبنا الأنفية بما يعجزها عن الشخر... وإن أصابها بعض عطب قليل...  
والشخر عادة مصرية بإمتياز، تعبر عن مكنون صدر الشاخر، وهو مكنون مغتاظ مكلوم بالقطع من المشخور منه....
 ومهما كانت العادة منتشرة في بلدان عربية أخرى، فإنا نؤكد أصالتها المصرية، ومن علم بأمور التاريخ وتدبر فيه، ودرسه حق دراسته:  ربما تقف أنفه عاجزة عن انطلاق الشخرات المتصلة غير المنفصلة .. من تاريخ مصر عمومًا ومن تاريخها الحديث خصوصًا.
من هذا المنطلق اللغوي الفصيح، وهذه اللمحة التاريخية السريعة نقول: إن ما يحدث من رجال الشرطة البواسل في تصديهم للمجرمين البلاطجة والشبيحة والبلطجية القابعين في ميدان التحرير، يحتاج منا نحن رجال ونساء وأطفال مصر الأبرار، أن نقف معهم ونهتف لهم، ونهتف منهم، ونهتف عنهم، ونصرخ لهم ونصرخ فيهم، ونصرخ عنهم، كلنا جميعًا في نفس واحد صارخين: شخرة جماعية من ميدان التحرير.