21 مارس 2008

الذي كان يحب......

لم تكن لتخدعني حبيبتي، هناك سر لا اعرفه، هكذا قال لي دامعاً، ربما هو محق، وربما هي محاولة أخيرة للتماسك، كان يقول لي أنه يرى ان عبارة ديكارت "أنا اشك إذا انا موجود" عبارة كاذبة، فارغة المضمون
كان جمال علي يهمس لها قائلاً: أنا أحبك إذاً أنا موجود، وكانت تضحك متهمه اياه بالجنون، بينما يتمنى قلبها لو ازداد جنونه جنوناً فوق الجنون، قال انها هاتفته بالأمس وأخبرته أن كل شيء انتهى، ولم تمهله ان يعرف المزيد
طلب مني أن اغلق التلفاز، وأن أنتبه لحديثه، كانت مبارة الأهلي والزمالك ، وكان من المستحيل أن أستجيب لطلبه، كان يعلم هذا ، ومع ذلك اتهمني أني صخرة، وحين قفزت لاعناً من أهدر الفرصة التي كانت قاب قوسين أو أدنى ، اصابه الفزع ، وقال في سذاجة بريئة لا تتناسب مع طالب متفوق في سنة ثالثة آداب قسم فلسفة، انه سمع الشيخ يقول: ان الحب ليس حراماً ، وأن الأعمال بالنيات، بل ان القبلة من اللمم ، وان الحسنات يذهبن السيئات ، نظرت اليه بمعشار ذهن وقلت : بعد المبارة نتكلم
وبمجرد ان اطلق الحكم صافرته تاركاً له الفرصة ان يتكلم، أغلق التلفاز، وقال : "أنا اتصلت بيها يجي عشرين مرة ومبتردش ومغلق وخارج نطاق الخدمه، أعمل ايه بس ، أعمل ايه"
قلت بحزم : لا تفعل شيئاً، وانتظر، ولأنه كان يراني صخرة متحركة على قدمين، لا أرى في الفتاة إلا عينين وشفتين ونهدين وفخذين، حدق في للحظات ، وقال: الغلط غلطي أنا، كان علي ان أحدث انساناً له قلب، حاولت أن اشرح له بصبر لا يتناسب مطلقاً ورد فعل صخرة هُزم فريقها للتو، لكنه لم يمهلني وانطلق
بعد تلك الواقعة بأسبوع تقريباً، طرق أذنه النبأ العظيم، كنا في كافتريا الجامعة حين قالت هدى بخبث موجه: "عرفتم مش نهال اتخطبت لمحمود ناصر المعيد"
منذ ذلك الحين وأنا اسمعه يردد أن ديكارت كان عبقرياً
لكني لا أستطيع أن انسى انه بعدما صار معيداً في الجامعة، وكنت أنا كما انا معيداً لسنة رابعة، والبون شاسع بين هذه وتلك، لا انسى حين اخبرته ان سلوى التي خطبها، يحبها طالب في سنة ثانية كلية ، وأن الجميع يتحدث بهذا، تبسم في تكلف أكاديمي بحت وقال وكأنه يلقي شعراً : ما بال الصخرة قد رقّت ،ثم نظر الى الساعة المعلقة نظرة المتعجل،ولساعة يده في حركة آلية وكأنه يتأكد من الوقت بالوقت، وقال كمن اكتشف نظرية جديدة، بينما يمسك بحقيبته مذعناً بالانصراف: لو تركتها له لأصبح عاشقاً تافهاً، ولو تركها لي لأصبح أستاذاً مرموقاً، انظر، أنا اقدم له خدمه جلية
ثم انصرف

8 مارس 2008

دين القلب أم دين اللسان / غاية ام وسيلة


خطب معاوية الناس قائلا " : ( إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون ) ( 1)
ان معاوية هنا يقسم بالله انه ما قالتهم ليصلوا ولا ليصوموا . ولم قاتلتهم اذن؟
الإجابة: لأتأمر عليهم. ثم يرد الأمر لله، والناس كارهون
ان معاوية يعلن لهم صراحة ويقسم لهم بالله ان الامر ليس امر دين ، ومع ذلك اختاره الله لهم غصبا وكرها
اذن فقد حضر الدين ليثبت أركان الأسرة الحاكمه، فلم يأت معاوية/ الحاكم لتكون شعائر ونسك وحدود، كمفهوم ضيق للدين، أو اضافة الى ذلك تقى وتآلف كمفهوم أعم واوسع
أي ان الخليفة / الملك / الحاكم أياً كان المسمى، لم يكن ملكاً ليقيم الدين، بل جاء الدين ليقم له الملك او ليساعده على اقل تقدير في أن يكون حاكما على رقاب الناس وهم له كارهون
ولكن دعنا نتخيل أن معاوية كان يخطب في الناس في الجاهلية بعدما انتصر عليهم، واستبد بالأمر دونهم : اني لأظنه قائلاً:
( إني وهبل ما قاتلتكم لسقاية ولا رفادة ، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني هبل ذلك وأنتم كارهون )
ان وقع "هبل" في الجاهيلة على أذن سامعيها ،كوقع من يقول: و"المسيح" على اذن النصارى، لكان معاوية يخاطب مسلمين فقال: والله ، اي أنه استخدم اللغة التي يستطيع بها توكيد ما يريد ويقتنع السامع بما أراد هو توكيده، اذن ما هي الا فروق توقيت بين عصر وعصر، بين جاهلية واسلام
لقد استخدم معاوية ثقافة ولسان عصره _ كما استخدم المال كوسيلة أخرى لشراء الذمم وهما وسيلتان تسخدمان في كل عصر وان اختلفت الألفاظ والمدفوعات، فنراه،
وقد روى ابن عبدالبر قال : " وبعث إليه معاوية _ يقصد عبد الرحمن بن ابي بكر_ بمائة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد فردها عليه عبد الرحمن وأبى أن يأخذها وقال أبيع ديني بدنياي فخرج إلى مكة فمات بها قبل أن تتم البيعة ليزيد بن معاوية
إذن الدين كان وسيلة، والمال كان وسيلة، لتثبيت السلطان ، واللفظ اختلف باختلاف العصر، وإلا بأي نص في كتاب الله وسنة نبيه ، أُمر معاوية ان يقاتل الناس حتى يسودهم ويكون عليهم ملكاً
ثم انظر الى قوله حين قُتل الأشتر مسموماً : إن لله جندا من العسل
اصبح السم جندا من جنود الله
ثم انظر له وقد نسى الثأر الذي زعم، والدم الذي طالب : قال ابن عبدربه ( 140 ) : قدم معاوية المدينة بعد عام الجماعة ، فدخل دار عثمان بن عفان ، فصاحت عائشة ابنة عثمان ، وبكت ، ونادت أباها : واعثماناه ، تحرض بذلك معاوية على القيام بطلب ثأره
فقال معاوية : يا أبنة أخي إن الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أمانا ، وأظهرنا لهم حلما تحته غضب ، وأظهروا لنا ذلا تحته حقد ، ومع كل انسان سيفه ، ويرى موضع أصحابه ، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ، ولا ندري أعلينا تكون الدائرة أم لنا ، ولئن تكوني ابنة عم أمير المؤمنين خير من أن تكوني امرأة من عرض الناس . وأغدق العطاء على الرؤساء ، فمالوا إليه
ثم نراه يخطب وقد استخدم الدين في موضعه ، أي لم يستخدمه وسيلة لكسب الملك ولتوطيده-
قائلاً: فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ وقراضة الجلم, واتّعظوا بمن كان قبلكم, قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم, وارفضوها ذميمة, فقد رفضت من كان أشفق بها منكم.(2)
انه هنا يتحدث واعظاُ يتحدث ناصحاُ اميناً ، هنا يقصد اللفظ وما ينتج عنه من أثر ، فليس اللفظ هنا كما السابق محض ثقافة فروق توقيت
ولننظر لقول الحجاج في خطبه لأهل الكوفة لنوقن أن استخدام اللفظ الديني كان محض ثقافة، وكان الدين حاضراً على الدوام ليثبت الحاكم لا ليكون قيماً عليه: والله لأحْزِمَنَّكُمْ حزم السّلَمة، ولأضربنّكمِ ضربَ غرائب الإِبل، فإنكم لكأهل قريةٍ كانتْ آمنةً مُطْمَئِنةً يأتيها رزقُها رَغَداً من كلِّ مكانٍ فكفرتْ بأنْعُم الله فأذاقَها اللهُ لباسَ الجوع والخوفِ بما كانوا يصْنَعون، وإني والله ما أقولُ إلا وَفَّيتُ، ولا أَهُمُّ إلا أمضيَتُ، ولا أخْلقُ إلا فَرَيْت"
انه يقسم كما اقسم معاوية من قبل بالله ، ثم يتوعد ، ثم يقتبس تالياً الآية، ويختم بتوعد مقسما بالله أنه ما يقول والا ووفى، وكأني به يتلو قول الله تعالى: "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".سورة الصف آية 3
ثم ها هو عبد الملك بن مروان يوصي به خيرا وهو على فراش الموت : ومرض عبدالملك بن مروان مرضه الذي هلك فيه، وعهد بالخلافة من بعده الى ولده الوليد، وأوصاه بالحَجاج خيراً، وقال له: وانظر الحَجّاج فأكرمه، فإنه هو الذي وطّأ لكم المنابر، وهو سيفك يا وليد، ويدك على من ناواك، فلا تسمعن فيه قول أحد، وأنت إليه أحوج منه إليك. وادع الناس إذا مت الى البيعة، فمن قال برأسه هكذا، فقل: بسيفك هكذا...»(3)
اذن فالبطش هو السيد هنا ، والمنبر لا للوعظ ، بل يتجاوز حدود الوعظ، ليكون وسيلة اعلامية وطدت بفضل الحجاج لتثبيت الأركان
الدين _ومفرداته_ حاضراً على الألسن و بكل قوة، لكنه حضور توعد تارة، وحيلة بأن الله أراد هذا الأمر أو ذاك، تارة أخرى، حاضراً على الدوام كوسيلة لإقامة الممالك لا كغاية تصبوا اليها الممالك
* المراجع
(1): تاريخ ابن كثير ، ج 8 ص 131
(2):" العقد الفريد" (4\88-89
(3): تاريخ الخلفاء للسيوطي : 220

1 مارس 2008

الفقير الشحاذ

نقيق
صوت الضفادع ليس كلونها . لم يكن يتفلسف . لكني لم افهمه بعد . أقول: في الحقيقة هو غير مفهوم على الإطلاق . لكن على أي حال ظل لسنوات يقبلني كل صباح وهذا يكفي
هوة
عندما أخبروها أن طفلها الوحيد غرق في البئر أصابها عمى وشلل مؤقت . أما أنا فكنت أحاول إنقاذ هذا الصوت المبطن بالغبار الذي جاء من حفرة سحيقة يطلب الإغاثة. كنت حينها طفلا . حذرتني الخادمة ذات النهد البرونزي من الاقتراب من الحفرة . قالت أن تتوهم . قلت أنت كاذبة. عندما نام الجميع صحوت . بحثت عن حبل . اقتربت . لففته حول ساعدي وحول جسدي وساقي . انبطحت أرضا . رميت بالحبل . قلت للصوت أمسك بالحبل وتسلق . جذبني الصوت بقوة فهويت . استنجدت بها . قالت : تحمل نتيجة عملك

رحلة
الذي سافر بعيدا . أبعد من الأفق . حل به التعب . قال : الدهر . قال : التراب . بكى قال : العدم أمسك بجذع شجرة . سقط . قال : الألم . الذي حل
به التعب كان عظيما . ابتعد حيث لا أراه . صوت ذو شجن أخبرني أنه راحل إلى الأبد
هي هي

الحروف مبعثرة على الطاولة . أرتبها . تولد كلمات مثل : قتل . سفك . ذبح . هدم . من بعيد المتطفل الأحمق يعبث بألبوم صوري . يراني عارية . يضحك . أعيد ترتيب الحروف . تولد كلمات . الأحمق المتطفل دس صورة في جيبه . أنتبه . الكلمات المولودة هي هي قتل . سفك . ذبح . هدم . أقترب أمد يدي في جيبه أخرج الصورة . يضحك ضحكة شيطان ثمل . يحاول أن يطوقني . أفر من بين يديه. يهرول . أدور حول الطاولة . تتبعثر الأحرف . يتبعني أطعنه . يضحك ضحكة شيطان ثمل . تلطخ الصورة العارية . تولد كلمات أخرى مثل : قتل .
سفك . ذبح . هدم

مناصفة

الفقير الشحاذ ينظرالي في وداعة. اقترب . طلب الإحسان. لم اعره انتباهاً . يمد يده للمرة الثالثة. يدعو الله لي بالستر جهراً. وبالفقر سراً.
الفقير الشحاذ ينظر لي في حقد. أمد يدي في جيبي الخاوي وأخرج آخرجنيه معي أطلب منه في وداعة ان يتكرم علي بنصفه. الفقير الشحاذ يعدني بذلك . ثم ينصرف