8 مارس 2008

دين القلب أم دين اللسان / غاية ام وسيلة


خطب معاوية الناس قائلا " : ( إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون ) ( 1)
ان معاوية هنا يقسم بالله انه ما قالتهم ليصلوا ولا ليصوموا . ولم قاتلتهم اذن؟
الإجابة: لأتأمر عليهم. ثم يرد الأمر لله، والناس كارهون
ان معاوية يعلن لهم صراحة ويقسم لهم بالله ان الامر ليس امر دين ، ومع ذلك اختاره الله لهم غصبا وكرها
اذن فقد حضر الدين ليثبت أركان الأسرة الحاكمه، فلم يأت معاوية/ الحاكم لتكون شعائر ونسك وحدود، كمفهوم ضيق للدين، أو اضافة الى ذلك تقى وتآلف كمفهوم أعم واوسع
أي ان الخليفة / الملك / الحاكم أياً كان المسمى، لم يكن ملكاً ليقيم الدين، بل جاء الدين ليقم له الملك او ليساعده على اقل تقدير في أن يكون حاكما على رقاب الناس وهم له كارهون
ولكن دعنا نتخيل أن معاوية كان يخطب في الناس في الجاهلية بعدما انتصر عليهم، واستبد بالأمر دونهم : اني لأظنه قائلاً:
( إني وهبل ما قاتلتكم لسقاية ولا رفادة ، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني هبل ذلك وأنتم كارهون )
ان وقع "هبل" في الجاهيلة على أذن سامعيها ،كوقع من يقول: و"المسيح" على اذن النصارى، لكان معاوية يخاطب مسلمين فقال: والله ، اي أنه استخدم اللغة التي يستطيع بها توكيد ما يريد ويقتنع السامع بما أراد هو توكيده، اذن ما هي الا فروق توقيت بين عصر وعصر، بين جاهلية واسلام
لقد استخدم معاوية ثقافة ولسان عصره _ كما استخدم المال كوسيلة أخرى لشراء الذمم وهما وسيلتان تسخدمان في كل عصر وان اختلفت الألفاظ والمدفوعات، فنراه،
وقد روى ابن عبدالبر قال : " وبعث إليه معاوية _ يقصد عبد الرحمن بن ابي بكر_ بمائة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد فردها عليه عبد الرحمن وأبى أن يأخذها وقال أبيع ديني بدنياي فخرج إلى مكة فمات بها قبل أن تتم البيعة ليزيد بن معاوية
إذن الدين كان وسيلة، والمال كان وسيلة، لتثبيت السلطان ، واللفظ اختلف باختلاف العصر، وإلا بأي نص في كتاب الله وسنة نبيه ، أُمر معاوية ان يقاتل الناس حتى يسودهم ويكون عليهم ملكاً
ثم انظر الى قوله حين قُتل الأشتر مسموماً : إن لله جندا من العسل
اصبح السم جندا من جنود الله
ثم انظر له وقد نسى الثأر الذي زعم، والدم الذي طالب : قال ابن عبدربه ( 140 ) : قدم معاوية المدينة بعد عام الجماعة ، فدخل دار عثمان بن عفان ، فصاحت عائشة ابنة عثمان ، وبكت ، ونادت أباها : واعثماناه ، تحرض بذلك معاوية على القيام بطلب ثأره
فقال معاوية : يا أبنة أخي إن الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أمانا ، وأظهرنا لهم حلما تحته غضب ، وأظهروا لنا ذلا تحته حقد ، ومع كل انسان سيفه ، ويرى موضع أصحابه ، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ، ولا ندري أعلينا تكون الدائرة أم لنا ، ولئن تكوني ابنة عم أمير المؤمنين خير من أن تكوني امرأة من عرض الناس . وأغدق العطاء على الرؤساء ، فمالوا إليه
ثم نراه يخطب وقد استخدم الدين في موضعه ، أي لم يستخدمه وسيلة لكسب الملك ولتوطيده-
قائلاً: فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ وقراضة الجلم, واتّعظوا بمن كان قبلكم, قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم, وارفضوها ذميمة, فقد رفضت من كان أشفق بها منكم.(2)
انه هنا يتحدث واعظاُ يتحدث ناصحاُ اميناً ، هنا يقصد اللفظ وما ينتج عنه من أثر ، فليس اللفظ هنا كما السابق محض ثقافة فروق توقيت
ولننظر لقول الحجاج في خطبه لأهل الكوفة لنوقن أن استخدام اللفظ الديني كان محض ثقافة، وكان الدين حاضراً على الدوام ليثبت الحاكم لا ليكون قيماً عليه: والله لأحْزِمَنَّكُمْ حزم السّلَمة، ولأضربنّكمِ ضربَ غرائب الإِبل، فإنكم لكأهل قريةٍ كانتْ آمنةً مُطْمَئِنةً يأتيها رزقُها رَغَداً من كلِّ مكانٍ فكفرتْ بأنْعُم الله فأذاقَها اللهُ لباسَ الجوع والخوفِ بما كانوا يصْنَعون، وإني والله ما أقولُ إلا وَفَّيتُ، ولا أَهُمُّ إلا أمضيَتُ، ولا أخْلقُ إلا فَرَيْت"
انه يقسم كما اقسم معاوية من قبل بالله ، ثم يتوعد ، ثم يقتبس تالياً الآية، ويختم بتوعد مقسما بالله أنه ما يقول والا ووفى، وكأني به يتلو قول الله تعالى: "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".سورة الصف آية 3
ثم ها هو عبد الملك بن مروان يوصي به خيرا وهو على فراش الموت : ومرض عبدالملك بن مروان مرضه الذي هلك فيه، وعهد بالخلافة من بعده الى ولده الوليد، وأوصاه بالحَجاج خيراً، وقال له: وانظر الحَجّاج فأكرمه، فإنه هو الذي وطّأ لكم المنابر، وهو سيفك يا وليد، ويدك على من ناواك، فلا تسمعن فيه قول أحد، وأنت إليه أحوج منه إليك. وادع الناس إذا مت الى البيعة، فمن قال برأسه هكذا، فقل: بسيفك هكذا...»(3)
اذن فالبطش هو السيد هنا ، والمنبر لا للوعظ ، بل يتجاوز حدود الوعظ، ليكون وسيلة اعلامية وطدت بفضل الحجاج لتثبيت الأركان
الدين _ومفرداته_ حاضراً على الألسن و بكل قوة، لكنه حضور توعد تارة، وحيلة بأن الله أراد هذا الأمر أو ذاك، تارة أخرى، حاضراً على الدوام كوسيلة لإقامة الممالك لا كغاية تصبوا اليها الممالك
* المراجع
(1): تاريخ ابن كثير ، ج 8 ص 131
(2):" العقد الفريد" (4\88-89
(3): تاريخ الخلفاء للسيوطي : 220

هناك 32 تعليقًا:

ابو احمد يقول...

العزيز اسامه
السياسه هى علم اداره المصالح المختلفه
اذن هى علم يتغير نظرياته وتتطور آليات تنفيذ تلك النظريات كما تتغير وتتبدل مصالح الناس فالعامل مصلحه تختلف غن صاحب العمل والتاجر مصالحه غير الصانع وهكذا وآليات التوفيق او صنع التوازن هو علم السياسه اى ان نظام الحكم هو محصله لكل هذا
العلم اى علم متغير والسياسه علم
اما الدين فهو ثابت
الربط بينهما يضر بكليهما
مدونه رائعه
تحياتى
مجدى

مصطفى فتحي يقول...

حلوة الحرية والإبداع الموجود هنا

تحياتي لك

أسماء علي يقول...

العزيز .. أسامة ..
اقامة الممالك هي شهوة الحكام ..
وما دين سوى وسيلة على مر الزمن ..
الحقيقة أنهم حينما يودون تقييد الشعوب يبحثون عن وسيلة تسكتهم ..
وهو مايحدث ...
موضوعك شيق جداااااا

Ahmed Othman يقول...

من كلمات سوف أنشرها قريبا بمدونتي
باسم
في زمن للشرك الأكبر
أقطتف هذه

للإفـك إزار و عمـــامه
و حديث ختـان و قـوامه
و أتمـــوا لله صيــــامه
و ادعوا للوالي كي ينصر


كصيحة صلاح ذو الفقار الشهيرة
اللعنة على الابراج

دعني أصرخ بصفحتك

اللعنة على الأبواق

Unknown يقول...

نسبة اتفاقي معك يا بني في هذا الموضوع
100 ف 100

الدين استخدم وسيله سياسيه
ومايزال الكثيرون يستخدمونه
ومايزال الكثيرون يبهرون باستخدامه

روابط يقول...

مقال رائع يا اسامة كالعادة .. وان كنت أخلفك القول فأعتقد ان الدين وسيلة فعلا ولكنه ليس وسيلة للخداع وكسب وتوطيد الملك , بل وسيلة للملكوت العلى بكل صوره وتجلياته

على باب الله يقول...

مقالة جميلة جداً

شكراً علي المعلومات القيمة دي

و أتفق معاك تماماً في أن الدين تم و يتم إلي الآن إستخدامه للوصول إلي السلطة , و لتحقيق مكاسب شخصية

---

خالص تحياتي

Osama Sherif يقول...

السلام عليكم

أخي أسامة
لقد بنيتَ مقالا طويلا على مقولة نسبت لـ سيدنا معاوية (رضي الله عنه) ولم تذكر مدى صحتها
ذكرت فقط أن مصدرها هو تاريخ ابن كثير
ولم تذكر أصحيحة أم لا

فهلا تثبتنا جيدا قبل أن نتكلم بهذا على صحابي وكاتب للوحي ووالٍ ائتمنه عمر بن الخطاب لسنين طوال (وهذه تكفي كمنقبة لمعاوية)
نرجو التريث والبحث والتنقيب عن صحة ما ينبني عليه فكر خطير كهذا

نفس الكلام يقال عما ورد في كتاب (عبد ربه) هذا، وفي ذات الوقت أنا لا أدافع عن الحجاج

وبالتالي لن أتحدث في لب الموضوع، ولا عن سوء الظن حول كل من يتخذ الدين له منهاجا

تحياتي
والسلام عليكم

غير معرف يقول...

عزيزى أسامة

تحليل جميل حسبت فيه انك ستعرج على المقدسات لقوة أثرها .. سواء جاهلية أو اسلامية أو مسيحية ..

لكنك عدلت البوصلة الى وسيلة دهاة السياسة مثل معاوية وعمرو بن العاص وغيرهم ..

اتفق معك فى انها بالفعل وسيلة ..وهكذا الدين عموما .. وسيلة لحفظ النفس والتوائم فى سلام مع الجميع .. هذا فى الدنيا ..

اما فى الآخرة .. فلا حاجة لذلك ..فاغاية هى رضا ربنا والجنة .. وليس الدين فى حد ذاته

تحياتى للعرض الجميل

طارق هلال يقول...

الطائش لا يبحث عن أى وسيلة ليبلغ أى غاية

المجرم يستخدم الوسائل المتاحة ليبلغ غايته

الشيطان يستخدم الوسائل الخفية ليصل إلى مراده

الظالم يستخدم قهر الناس ليطل هو سيدهم

المتجبر يبرر كل أفعاله ليصبح هو صاحب الحق الوحيد فى الحياة

أو هكذ أظن

تحياتى أسامة
كالعادة أنت رائع

blackcairorose يقول...

إن الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أمانا ، وأظهرنا لهم حلما تحته غضب ، وأظهروا لنا ذلا تحته حقد ، ومع كل انسان سيفه

مقولة تلخص كثير من المواقف الجارية اليوم

شكرا اسامة على البوست الشيق والذى يفتح ابواب كثيرة للتفكير

عين فى الجنة يقول...

معاوية داهية العرب الذى قال ان بينه وبين الناس شعره لا تقطع ابدا ان شدوها ارخاها وان ارخوها شدها
رضى الله عنه وغفر له ولنا

rainbow يقول...

استاذى الفاضل

معلومات قيمة جزاك الله خيرا على جمعها وتذليل قرائتها ببساطة

فقراءة هذه الكتب والاختيار منها ليس بسهولة فى عصر التيك اواى والفيمتو ثانية

الفكرة الرئيسية : استخدام الدين بغرض او اغراض اخرى صراحة وضمنا للوصول لاهداف غير وجه الله مادة خصبة جدا .. تفتح المجال الواسع للحديث عن اسوأ ما ابتلانا به الله على مر العصور ولا يزال

رفع الله عنا ابتلاءه ووقانا شر ان نرزح تحت نير ظالم بإسم الدين ( رغم توفر هذا جدا ! ) 0

تحياتى لمجهودك الكريم

دمت بكل خير

هدى

Unknown يقول...

اخى الفاضل -- اختى الفاضلة
ادعوكم للتضامن مع دعوة الداعية الاسلامى الكبير ( عمرو خالد )والانضمام
------ الى ----

( حملة حما يه )
فى انتظاركم ولاتترددوا نحن فى حاجة اليكم
برجاء التواصل للمساهمة وشكرا لكم مقدما....للمزيد يمكنك زيارة مدونتى
او زيارة موقع عمرو خالد مباشرة

البنت الشلبية يقول...

حلو البوست اوى بس هقراه مرة تانية وهعلق عليه بشكل مفصل
ده بعد ازنك طبعا
=========
انا ددخلت اسلم واشوف ايه الاخبار

مُزمُز يقول...

موضوع رائع ومعلومات جميلة

الطريف والمفارقة العجيبة أنني كنت أتناقش مع زوجة أبي هذا الصباح وكانتتصر أن معاوية هو خامس الخلفاء الراشدين وأنها قرأت هذا في كتاب وهات يمين هات شمال مفيش فايدة

أنا هاجيبها تقرا المقال ده

:)

rainbow يقول...

الاستاذ الفاضل

كل عام وانت بخير

المرة السابقة عللت ابتعادك لظروف حزن ما وكآبة احتجزت شخصكم الكريم .. تكرر الصمت استاذى .. اتمنى الا يكون لنفس السبب

ليس لضعف السبب ولكن لقوة تأثير تواجدكم الرائع من اثر شافى على تلك الاسباب ان شاء الله .. مع تجمع اصدقاء مدونتك العزيزة

حديث خبرة مع اشباه اسبابك سيدى
لم يساعدنى سوى تواجدى ولو غير موجود لأظل هنا !0

دمت بكل خير

هدى

اسامة يس يقول...

ابو احمد
صدقت يا ابو احمد الدين مطلقات وقيم عليا لا تتبدل ولا تتغير .. بينماالسياسية متغيرة متحولة متلونة....
والربط يؤذي المتدين..
دمت بكل ود..
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

الأجمل هو تواجدكم العطر يا صديقي...
دمتم بكل ود..
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

د\أسماء علي
صدقت هم دائما يبحثون عن وسيلة تكمم الافواه .. وتقيد الحركة كي يرتعوا بحرية....
سعيد باطلالتكم العطرة..
دمت بكل ود..
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

وجـــه جـــديد
يا اهلا بك ناطقاً صادحا بما تريد.. في وجه مكممي الافواه ...
لا حرمنا الله من تواجدكم الكريم..
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

أنونيمس
وانا سعيد جدا بحسن تفهكم لما رواء السطور .. وحسن تحليلكم له...
دمت بكل ود...
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

حازم سويلم
اولا شكرا على اطرائكم الكريم...
ومن قال اني اختلفت معكم يا عزيزي .. الدين قيم عليا لا تتتبدل مع الزمان... فقط رصدت هنا كيف استخدمه الحكام...
دمت بكل ود...
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

على باب الله
التحية لكم على تفاعلكممع السطور ...
شكرا على تواجدكم الكريم..
دمت بكل ود..
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

أبو خالد
استاذي الفاضل
سيدنا معاوية لمن سيدوه فقط.. اما انا فلا..
ومقالي موثق كما رايتم..
وليس الغرض منه الطعن في معاوية ذاته وان كان هو مسؤول بالطبع عن المصائب التي حدثت...
ولكن هنا كفكرة عامه عن موضوع استخدام الدين...
سعدت بكم جدا ...
واختلف معكم واحترم رأيكم
دمت بكل ود...
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

Sherif
انا شاكر لكم اطرائكم الكريم.. وتواجدكم في صفحتي..
وفي الدينا الدين كما ذكرتم وسيله لحفظ النفس والعقل ووو ..
لكنه ليس وسية لاستبداد الحاكم...
دمتم بكل ود...
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

Arabic ID
رائع هو تحليلكم وتواجدكم وتفاعلكم...
دمتم بكل ود...
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

blackcairorose
الشكر لكم ولتفاعلم واطرائكم العطر...
دمتم بكل ود...
خالص تحياتي...

اسامة يس يقول...

راجى
اللهم آمين آمين آمين...
شكرا على تواجدكم الندي..
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

rainbow

جزاك الله خيرا على تكرار السؤال .. بصدق ربنا يكرمكم ... انتم دافع محفز للاستمرار...
وانا سعيد بالتعرف عليكم ....
شكرا على اطرائكم وتفاعلكم الكريم...
دمتم بكل ود...
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

البنت الشلبية
انا في انتظار عودتكم الندية... وتعليقكم الثري...
وشكرا على تواجدكم الكريم...
دمتم بكل ود..
خالص تحياتي

اسامة يس يقول...

مُزمُز
ربما هي صدفةكي اسعد بتواجدكم العطر وانا سعيد بقراءتك للمقال وبقراءتها او حتى بتوصيلك لها ما فيه...
لاحرمنا الله من تكرار الزيارة...
خالص تحياتي