لاشك أن وجود ما يمكن أن نطلق
عليه تيار "القرآنيون" قد أحدث أثرًا- ولو أنه لم يزل غير مؤثر
بدرجة كافية- في خلخلة الفكر الإسلامي السلفي التقليدي، المعتمد بالدرجة الأولى
على روايات الحديث وأقوال الصحابة والتابعين وآراء الفقهاء.
ولا شك أن مدارس التجديد في الفكر الإسلامي سابقة على هذا التيار،
لكن ما أحدثه هذا التيار بكتاباته، قد أحدث ما يشبه الصدمة الكهربائية للفكر
التقليدي، بطرحة المعتمد فقط على نصوص القرآن، المبتعد بالكلية عن الروايات الحديثية
وكتب الصحاح ولو على سبيل التنقيح أو الاستئصال أو حتى الاستئناس بها.
كما أنه خطى خطوة أخرى باعتماده
على فهمه هو للنصوص لا على ما وجد عليه كتب التفاسير وشروح الفقهاء.
ورغم أن هذا النهج يعد خطوة متقدمه بإزاحته عن كاهل المسلم تركة
ثقيلة من النصوص المروية -التي ارتأى هذا التيار أنها منسوبة زورًا للنبي صلى الله
عليه وسلم،- وحتى بفرض صحتها وهو أمر مستبعد عندهم، فإنها غير ملزمة البته، كون
الملزم فقط هو القرآن الكريم، رغم ذلك إلا أننا نرى انه – أي هذا التيار- لا يزال
يدور بذاته في نفس الدائرة الضيقة من كونه ينظر للدين على أنه نص أزلي وجب إتباعه.
إن أسئلة من قبيل ما هو الدين......؟
وما الغاية من الدين.....؟ - القصد هنا بعيد كل البعد عن الطرح
الفسلفي لماهية الدين- بل استفسارًا يبحث عن دور النصوص ابتداء في حياة المجتمع
المتدين ..؟
وما هو المطلق فيها غير قابل للتبديل...؟
وما هو القابل للتبديل والتعديل والتغيير رغم وروده في النص المطلق
(القرآن)...
أي ما هو الاجتماعي في النص.....؟
إن أسئلة مثل هذه وغيرها كثير، تفرض ذاتها على هذا التيار الذي ازعم
من خلال قراءتي لكتابات الكثير منهم، أنهم لا يزالون غارقين في التفاصيل الفقهية
ذاتها، يعالجونها بنفس الأسلوب الذي يعالج به الفكر التقليدي الأمر.. بيد أنهم
يقصرون الأمر على النص القرآني.... يلتمسون فيه علاجًا لمسائل لم يدع النص فيها
ابتداء أنه طالب المجتمع ببحثها من منطلق الدين أو الإلزام..
الأمر الذي جعل بعضهم يشطح شطحًا في استخراج أفكارًا عجيبة ينزعها
نزعًا من سياق الآيات.. أو من رؤية خاصة لمعنى الآية ليبرر تصرفًا كانت تقبله ظروف
الواقع آن ذاك وقت نزول النص،( كضرب الزوجة مثلا) لكنه لم يعد مستساغًا في عصرنا
أو على الأقل في الدول المتحضرة...
ولكونه وجد حرجًا في النص راح
يبحث عن أدلة في اللغة لتأويل معنى الضرب، ضاربًا هو بقواعد اللغة، أو المفهوم من
النص بداهة، وذلك كونه لم يبحث النص من الناحية الاجتماعية المرتبطة بسياق وتاريخ
وزمان وبيئة النص.
إن غالبية القرآنيين باعتمادهم النص وحده مرجعًا بهذا الشكل يتجاهلون
أن ثمة هدر يحدث في سياق النص، من خلال اعتبار النص ذاته وإحالته على الواقع
المُخاطب وملابساته، واعتبار هذا الواقع جزءا لا يتجزأ من سياق النص.
لذا فمهما حاولنا فهم القرآن من
خلال النصوص فقط، سنجد أنفسنا حيارى دون الولوج إلى ظروف ومناخ وبيئة وزمان ومكان
وحيثيات الواقع التي نزل فيها النص.
إن النص الذي شرع لا يعد تشريعه مقدسًا في ذاته، لكونه يؤدي وظيفة لا
يمكن لها أن تبقى أبدية مهما اختلفت الظروف، والوقائع.
وهو الأمر الذي لا يدركه القرآنيون بالشكل الكافي.